وجب التعامل مع أزمة الزيادة السكانية بشكل طموح"..النمو السكاني أمن قومى، لأنه في النهاية بيخلي الناس تبقى مش راضية.. وطالما المواطن مش راضى هيبقى مُستَفز.. وممكن حد يعبث بعقله ويقوله إنت اللى انت فيه ده، ده عيب دولة وعيب حكومة..رسائل وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسى ، مؤخراً حول الزيادة السكانية مطالبا بإقامة المنتديات التوعوية لشرح خطورة الزيادة السكانية على جهود التنمية.
من جانبه أكد الدكتور شوقي علام، مفتى الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الدين يدعو دائمًا للتوازن بين عدد السكان وتحقيق التنمية، حتى لا تؤدى كثرة السكان إلى الفقر، موضحًا أن النصوص الشرعية لا تقف عائقًا ضد تنظيم الأسرة باعتبارها صالحة لكل زمان ومكان؛ بشرط أن تكون قراءة النصوص قراءة متكاملة غير مجتزأه، وأن تنظيم النسل جائز في الاسلام قياسًا على جواز العزل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ما دام الغرض منه المحافظة على صحة المرأة، أو تهيئة الجو المناسب لتربية الأولاد إذا اتفق على ذلك الزوجان وارتضياه لمصلحة الأسرة، ودفع المشاق والأضرار عنها.
وتابع في تصريحات خاصة لـ "انفراد": حول الفهم الخاطئ لبعض النصوص الدينية وأدلة السنة النبوية على جواز تنظيم النسل أكد المفتي أن كلمة المذاهب الفقهية الأربعة اتفقت على جواز تحديد النسل من حيث الأصل، مع اختلاف يسير فى شروطه، والسنة النبوية وردت فيها نصوص كثيرة تبيح تحديد النسل وتؤيد استخدام وسيلةً من وسائل منع الإنجاب وتقليل أعداد الأولاد، ومنها حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَنْهَنَا» (متفقٌ عليه).
وحديث أبى سَعِيد الخُدْرِى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن الصحابة سألوا النبى صلى الله عليه وسلم عن حُكم العزل، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَوَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ لا عَلَيْكُمْ أَنْ لا تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا هِيَ خَارِجَةٌ» (صحيح البخاري).
أما بشأن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مُبَاهٍ بكم الأمم يوم القيامة» فيجب فهمه في إطار تكامل النصوص وربطه بحديث «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل»، مبينًا أن الكثرة التي قصدها الرسول صلى الله عليه وسلم هي الكثرة المؤثرة التي تبني وتدعم المجتمع ولا تكون عبئا عليه.
ولا يوجد تعارض بين الدعوة إلى تنظيم النسل مع دعوة الشرع إلى التكاثر، فتنظيم النسل وسيلة لإخراج أجيال تأخذ حقها في الرعاية المتكاملة وتنال الاهتمام الكافي؛ مما يؤهلهم إلى تَحمُّل المسؤلية؛ فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ» (رواه أبو داود)؛ المقصود به: الكَثْرة المؤمنة الصالحة القوية المنتجة المتقدمة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يباهي بكثرة ضعيفة متخلفة في مناحي الحياة المختلفة.
وتابع المفتي، إن على الانسان تنظيم الإنجاب حتى لا يعرض نفسه لتكلف ما يفوق وُسْعَه والوقوع في إثم الإخلال بحقوق من سيعولهم من الأبناء، فالأولاد هبة مهداة إلى الإنسان، إلا انهم أيضًا أمانة وفتنة واختبار ومسئولية معلقة في عنقه لا بد من أن يرعاها حق رعايتها كما في فتنة الأموال، قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾، وأوضح أن الله عز وجل أمر المؤمنين بالعمل على إصلاح النفس والأهل والنأي بهم بعيدًا عن الهلاك ،كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» .
ولفت المفتي إلى أن الزيادة السكانية في مصر باتت تمثل خطرًا حقيقيًا، مطالبًا بتضافر جهود جميع المؤسسات والمسؤولين لمواجهة أزمة الزيادة السكانية، منوها ان خطة العمل تبدأ من توعية المسؤولين بحتمية مواجهة الأزمة في كافة قطاعات الدولة المصرية، حيث أخذت دار الإفتاء المصرية على عاتقها مبادرة سد الحاجة المجتمعية والإرشاد والتأهيل المناسب إلى شباب المجتمع المقبل على الزواج تحقيقا لمقصد مهم من مقاصد الشرع الشريف وهو بناء الأسرة التي هي أساس المجتمع على قدر من الوعي الصحيح، والعلم الرصين.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن دار الإفتاء تؤمن بأن دورها ومسئوليتها الاجتماعية لا يجب أن يقف عند مجرد بيان الحكم الشرعي، كما فطنت إلى إن القضية السكانية من القضايا المهمة لكونها تمس الأمن الفكري والأمن القومي وتتطلب علاجًا حاسمًا لتفادي الأزمات الاقتصادية المترتبة عليها، ومن ثم بادرت بتدشين العديد من حملات التوعية عبر منصاتها المختلفة بخطورة الزيادة السكانية، فضلا عن تدشين وحدة الإرشاد الأسري في سبيل تحقيق أهدافها المنوطة، والتي تعتمد على مجموعة من الخبرات والكفاءات المختلفة التي تشمل الجانب الشرعي، والنفسي، والاجتماعي، والمهاري؛ لتستوعب بذلك التنوع كافة جوانب العلاقة الأسرية وما يحيط بها من مشكلات تحتاج إلى توعية وتحليل علمي دقيق لفهم الأسباب والدوافع والوصول إلى العلاج المناسب.
ولفت إلى أن دار الإفتاء استقرت في فتواها على أن تنظيم الأسرة من الأمور المشروعة والجائزة شرعًا، وهذه المنظومة التي نسير عليها متسقة مع منظومة التشريعات المصرية، كما أن الإسلام يدعو للغنى وليس الفقر ويدعو للارتقاء بالمجتمع والأسرة.
في سياق ذي شأن أكد مفتى الجمهورية أن إباحة الشرع الشريف تنظيم النسل على المستوى الفردي، يؤيد مشروعية الجهود التي تبذلها الدولة ومؤسساتها المعنية واتساق تشريعاتها مع الشرع الشريف ومقاصده العليا في سبيل الحيلولة من حدوث انفجار سكاني نتيجة زيادة المواليد وكثرة الإنجاب على المستوى الجماعي، فالحكم يدور مع علته وجودًا وعدَمًا، فتنظيم النسل هو إجراء من جملة إجراءات تتخذها الدولة المصرية لمعالجة كل التحديات والمخاطر مما قد تعرقل مسيرة التنمية والعمران التي تتبناها القيادة المصرية والتي من شأنها رفع شأن الأمة المصرية وتقويتها، وترقية أفرادها حتى يكونوا لبنة نافعة فى بناء الوطن تقوى كيانه وتزيد من عوامل الأمن والاستقرار فيه، لا تضعفه ولا تكون عالة أو عبئًا ثقيلًا يعرقل مسيرته.
وشدد على أن الوضع المعاصر تغيَّر؛ لأن الدولة أصبحت مسئولة عن توفير العديد من المهام والخدمات، ولو تُرك الأمر هكذا لأصبحت الدول في حرج شديد؛ ولذا فتنظيم النسل الآن لا يتعارض مع روح الشريعة التي تؤيد تغيُّر الفتوى بتغير الزمان والمكان تحقيقًا لمقاصد الشريعة".
وذهب مفتى الجمهورية في تفنيده لضرورة تنظيم النسل، على أن واقع العصر الحالي يدل على أن سبب شُح الموارد هي الزيادة السكانية، ولا سبيل لحل هذه المشكلة إلا بتنظيم النسل لإحداث التوازن بين بين موارد لأرض وعدد السكان، فالهدف ليس الحفاظ على المجتمع من ضعف اقتصاده فحسب، بل يُقصد به كذلك المحافظة على صحة الأم والطفل، ورفع المستوى المادي والأدبي لأفراد الأسرة، وتمكين المرأة المسلمة المعيلة والمثقلة بأعباء الولادة المتكررة من أداء واجبها في بناء المجتمع بحسن تربية أولادها والمشاركة في سد حاجة سوق العمل إليها.
ونبَّه المفتي على خطورة الاعتقاد بضرورة التكاثر من غير قوة، مشيرًا إلى أن ذلك داخل في الكثرة غير المطلوبة التي هي كغثاء السيل، مؤكدا انه يوجد لدى البعض فهما مغلوطا لتنظيم النسل بصورة معكوسة؛ حيث توهموا أنها تتعارض كليًّا مع قضية الرزق، باستشهادهم ببعض النصوص الشرعيَّة المحرِّمة لقتل الأولاد، او بعض مقولات التراث الشعبي مثل "العيل بيجي برزقه"، فهذه الأسباب لا تمنع ولا تتعارض أبدًا مع قضاء الله وقدره؛ فالرزق مكفول لكل إنسان، ولكن على الإنسان أن يسعى في تحصيل هذا الرزق، وأن يبذل كل وجه متقن يتوافق مع الحياة والواقع، ثم يتوكل بعد ذلك على الله عز وجل".