امتنع كمال الدين حسين، عضو مجلس الرئاسة، عن الذهاب إلى مكتبه منذ أغسطس 1963 إلى مارس 1964، دون أن يعلن استقالته، ودون أن يلتقى جمال عبدالناصر، حسبما يذكر أحمد حمروش فى كتابه «ثورة 23 يوليو».
يذكر «حمروش»، أن «حسين» كان يعترض على بعض تصرفات حملة اليمن، وقدم استقالته فى عام 1962 ثم 1963، ولكن عبدالناصر كان يقنعه بسحبها.. يضيف، أنه فى 4 مارس، مثل هذا اليوم، 1964، تصادف أن التقى الاثنان فى جنازة المستشار القانونى لرئاسة الجمهورية محمد فهمى السيد، فدعاه جمال إلى اجتماع حضره عبداللطيف البغدادى وعبدالحكيم عامر وزكريا محيى الدين وحسين الشافعى وأنور السادات، واستمر 8 ساعات متصلة من موعد الجنازة إلى موعد الذهاب لسرادق العزاء ليلا.
كان «حسين» من أبرز قيادات تنظيم الضباط الأحرار الذى قام بثورة 23 يوليو، وشغل بعد الثورة مواقع مهمة أبرزها، وزيرا للتربية والتعليم ووزيرا للإدارة المحلية، ومشرفا عاما على الاتحاد القومى، ونائبا لرئيس الجمهورية، ووفقا لمحمد شعير فى كتابه «أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة»، فإنه كان يمثل الجانب اليمينى المتشدد داخل السلطة الناصرية، وكان شديد المحافظة على المستوى الدينى والاجتماعى والثقافى، وارتبط خلال سنوات الأربعينيات «القرن الماضى» عاطفيا وتنظيميا بجماعة الإخوان.
ينقل «شعير» عن كتاب «الصامتون يتكلمون»، وهو كتاب شديد الهجوم ضد عبدالناصر وأقرب لروايات الإخوان، ينقل من شهادة «حسين» لمؤلف الكتاب «سامى جوهر»، أن عبدالحكيم عامر اتهمه بتوزيع كتاب سيد قطب «معالم فى الطريق» على زواره، فرد هو على هذه التهمة بأنه وزع هذه النسخ من الكتاب لأن ما فيها يعبر عن رأيه، مضيفا: «لم ولن أتردد فى يوم من الأيام فى المجاهرة بهذا الرأى».
يذكر «شعير» أمثلة لمواقف «حسين» اليمينية المتشددة نحو الإبداع..ينقل عن «غالى شكرى»، «مجلة القاهرة، 15 ديسمبر 1995»، أن مدير مكتبه اتصل بنجيب محفوظ يخبره بغضب الوزير على موافقته تحويل «أولاد حارتنا» إلى مسرحية، وهو ما نفاه محفوظ، موضحا له أن المسرحية التى تعرض مأخوذة من رواية «بداية ونهاية»، ولكنه لم يقتنع.. يضيف «شعير»: «كان الشيخ محمد أبو زهرة عضوا فى المجلس الشعبى لمحافظة القاهرة فى ذلك الوقت، واعترض على تقديم «بداية ونهاية» التى أعدها للمسرح أنور فتح الله، وأخرجها عبدالرحيم الزرقانى، لفرقة المسرح القومى، وقال «أبو زهرة» فى أحد اجتماعات المجلس: «هاهم يعرضون «أولاد حارتنا» باسم جديد، وأين؟ فى مسرح الدولة، فالبداية والنهاية هى بداية الكون ونهايته، وهذه «أولاد حارتنا» لم تظهر فى كتاب بل فى ثياب الممثلين والممثلات».
هكذا يمكن فهم طبيعة الحوار بين «حسين» وعبدالناصر ومن معه يوم 4 مارس 1964، وبالرغم من تأكيد «حمروش» أن الاجتماع استمر 8 ساعات لكنه يذكره مختصرا، من واقع ما ذكره له كمال الدين حسين وزكريا محيى الدين.. يقول: «ناقش الحاضرون موضوع اليمن ثم انتقل النقاش إلى الموقف السياسى، فقال «حسين» حسب روايته لى أن الميثاق له وجهان.. وجه ماركسى والوجه الآخر إسلامى عربى، وأنه يعترض على الاندفاع لتطبيق الاشتراكية، معلنا أن هذا سقوط فى هوة الشيوعية، وطالب بأن يكون تقرير لجنة الميثاق جزءا لا يتجزأ من الميثاق، وحاول عبدالناصر أن يقنعه بأن الاشتراكية العلمية التى وردت فى الميثاق ليست ضد الإسلام، وأن النبى محمد عليه الصلاة والسلام يقول «الناس شركاء فى ثلاث الماء والنار والكلأ»، وهى العناصر الرئيسية للحياة فى ذلك الوقت».
يذكر حمروش، أن عبدالناصر أضاف: «عدد المساجد زاد فى عهد الثورة من 11 ألف مسجد إلى 21 ألف مسجد، كما أظهر له أنه ليست هناك نية للتراجع عن الميثاق أو التطبيق الاشتراكى، حتى لو وصل الأمر إلى تأميم المحلات التجارية الصغيرة».. يضيف حمروش: «هنا كانت المناقشة بلغت ذروتها من العنف، وكان كمال الدين حسين الذى سلبت منه مناصبه المتعددة قد وصل إلى موقف الرفض الكامل لكل ما يدور حوله، يشعر أنه غريب عنه، ومعتقداته التى ربطته يوما بجماعة الإخوان قبل الثورة عادت فسيطرت عليه».
يؤكد حمروش، أن «بغدادى» كشف له، أنه لم يحدث أن بلغت المناقشة هذه الدرجة من العنف بين أعضاء المجلس «الرئاسى»، كما قال له زكريا محيى الدين أن موقف كمال الدين حسين كان جامدا وعاجزا عن إقناع زملائه.. يضيف حمروش: قدم كمال استقالته الأخيرة التى قال فيها: «أنا لو بقيت سأفقد نفسى، وأنا لا أريد أن أفقد نفسى ولا أظن أنه من مصلحة الوطن أن أفقد نفسى».