مائدة مستديرة، أطلقتها جامعة الدول العربية، الأربعاء، مع اليايان والأمم المتحدة، فى إطار المساعى الحثيثة للتحول الرقمى، والذى أصبح بمثابة ضرورة ملحة، فى المرحلة الراهنة، مع تفشى فيروس كورونا المستجد، والذى فرض حقائق جديدة، لم تقتصر على السياسة، وإنما امتدت إلى كل مناحى الحياة، فى ظل قوانين التباعد، والتى فرضت صورة جديدة للعمل فى كل المؤسسات، حيث أصبح «العمل عن بعد»، ليس مجرد رفاهية، وإنما واقع لا بد من مواكبته، حتى يمكن التعاطى مع معطيات العصر الجديد.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التى يبذلها العالم، لتطويق «كابوس» كورونا، إلا أن القضاء عليه تماما فى المستقبل القريب يبقى أمرا أشبه بالمستحيل، بينما تداعياته ربما تستمر لعقود، ليس فقط فيما يتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية، وإنما أيضا فى بقاء ما رسخه الفيروس من أسلوب جديد للحياة، وعلى رأسها قوانين «التباعد»، حيث سيتجاوز تطبيقها المرحلة الزمنية التى سوف يتم خلالها احتواء الوباء، وإنما ستمتد لفترات أطول، مع المخاوف الكبيرة المترتبة على وقوع أزمات أكبر ذات نطاق زمنى أطول فى المرحلة المقبلة.
فى هذا الإطار، يقول الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، خلال كلمة ألقاها أمام مؤتمر اجتماع وزراء الصحة العرب، يوم الاثنين الماضى، إن العنوان الأهم للتغيير الجارى عالميًا يتمثل فى مزيد من التركيز على تعزيز قدرات الحكومات على الصمود فى مواجهة أزمات مركبة، وممتدة التأثير، حتى لو كان احتمال وقوع هذه الأزمات ضئيلاً، موضحا أن جائحة كورونا قد كشفت عن الكلفة الإنسانية والاقتصادية العالية لمثل هذه الأزمات الخطيرة بما يُبرر حشد الموارد والإمكانيات فى المستقبل للاستعداد لها، ذلك أنه مهما ارتفعت تكلفة تعزيز قدرات الدول فى التعامل مع أزمات مستقبلية محتملة، فإنها لا تُقارن بتكلفة الأزمة حال وقوعها.
وهنا أصبحت «محنة» كورونا، بمثابة منحة، للعديد من المؤسسات، للعمل من أجل تحقيق أكبر قدر من الكفاءة، للتعامل مع الأزمات، التى تتجاوز النطاق الزمنى أو الجغرافى المحدود، لتصبح «عابرة للزمن والحدود»، على غرار الفيروس القاتل، عبر تطوير أدواتها، من خلال التحول إلى عصر «الرقمنة»، لمواكبة التغييرات الكبيرة التى يشهدها العالم، للتعامل مع مثل هذه الأزمات، بالسرعة المطلوبة، حتى يمكنها القيام بدورها بنفس الصورة، وهو الأمر الذى تتحرك باتجاهه الجامعة العربية، باعتبارها منظمة إقليمية، مسؤولة عن رقعة جغرافية واسعة، وبالتالى تبقى الحاجة ملحة للتطور التكنولوجى، واللجوء إلى التحول الرقمى، حتى يمكنها الوفاء بمسؤولياتها فى زمن الأزمات.
فخلال مائدة مستديرة، عقدتها جامعة الدول العربية، مع اليابان، بالإضافة إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، أول أمس الأربعاء، قال الأمين العام المساعد حسام زكى إن الإدراك أصبح متزايدا أن التحول الرقمى لا غنى عنه، موضحا أن الكيان العربى المشترك يعمل حاليًا، بالتعاون مع شركائه، وعلى رأسهم الإسكوا والاتحاد الدولى للاتصالات والمنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات، على تحديث الاستراتيجية العربية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للفترة بين عامى 2022 و2026.
وأردف قائلاً «إن جامعة الدول العربية تعمل أيضاً على تطوير ورفع كفاءة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات فى الأمانة العامة حتى تتمكن من مواكبة التحول الرقمى العالمى»، حيث انتهت جامعة الدول العربية مؤخراً من تنفيذ أعمال تجديد البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات المدعومة من قِبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائى واليابان، والتى سوف تتيح للأمانة العامة العمل على نحو أكثر كفاءة.
إلا أن الحقيقة التى لا يمكن تغافلها، أن الجامعة العربية بدأت مبكرا فى عملية التحول نحو الرقمنة، وهو ما يبدو واضحا فى التعاون المبكر مع اليابان والأمم المتحدة، فى إطار مبادرة ثلاثية ترجع إلى عام 2019، من أجل تحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى الخطوات التى اتخذتها لتحقيق هذا الهدف، منذ مرحلة «ما قبل كورونا»، وذلك لتعزيز التعاون بين دولها الأعضاء والإسراع فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما فى ذلك البلدان المتأثرة بالصراعات أو تلك التى تتعافى من الأزمات، حيث لم يكن الاجتماع الذى عقد أمس الأربعاء، هو الأول من نوعه، حيث كانت هناك 4 اجتماعات مشابهة، بدأت فى سبتمبر 2019، لمناقشة كل أوجه التعاون.
السيدة خليدة بوزار، الأمين العام المساعد ومدير المكتب الإقليمى للدول العربية لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائى صرحت قائلة «إن أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) أكدت على الحاجة الملحة للشروع فى تحول رقمى شامل فى شتى أرجاء المنطقة العربية». وأردفت قائلة «إن جامعة الدول العربية قدمت مثالاً رائعاً للقيادة فى هذا المجال، حيث تمضى قدمًا فى رقمنة جميع أعمالها وعملياتها بدعم مقدّم من الحكومة اليابانية، ويسر برنامج الأمم المتحدة الإنمائى أن تتاح له فرصة تيسير هذا التحول».
وكانت قضية التعليم والتنمية البشرية هى عنوان المائدة المستديرة الأولى، بين الأطراف الثلاثة، بينما هيمن وباء كورونا على المائدتين الثانية والثالثة، ففى يوليو 2020، ناقشوا تقييم تأثير الوباء ومناقشة طرق الاستجابة لتحقيق التعافى، فى حين كان السبيل إلى التعافى هو عنوان اللقاء الذى جمعهم فى ديسمبر 2020.