فى حياتنا أناس.. يمرون على القلب ولا يمرون،
يمكثون..
يستريحون ونستريح..
نطمئن لأنهم بداخلنا، ونطمئن لأنهم فى هذه الحياة..
لا نفترق مهما تباعدنا، لا نغترب مهما تغربنا
فى حياتنا أناس مثل شاكر عبد الحميد، نعرف من خلالهم أن الطيبة كائن حى، تأكل الطعام وتمشى فى الأسواق، وليست كائنًا خرافيًا نسمع عنه فى حكايات الجدة أو نقرأ عنه فى كتب الأساطير.
فى حياتنا أناس، يجسدون معنى الإنسانية، ويرتقون بصفة المثقف، ويفتنوننا بالعلم والعلماء، ونعرف أن الأدب علم ينفع ولا يضر، وأنهم النموذج الأجمل لكل ما ينشده الأديب من قيم وكل ما يجسده الفنان التشكيلى من جمال، وكل ما يزرعه الفلاح من محبة وخير وحياة.
موجع موتك يا دكتور شاكر، موجعة لحظات الوداع الأخير، موجعة نظرات الأسى فى عيون محبيك، موجعة كلمات الرثاء وإن فاض بها القلب رغمًا عن اليد واللسان، وموجعة تلك اللحظة التى نمسك فيها هواتفنا باحثين عن رقم أو شخص فيظهر اسمك فى الأفق كصفعة ألم أو عاصفة.
موجعة تلك الخسارة الفادحة التى منينا بها، لن نستطيع الآن أو حتى فى المستقبل أن نصادف إنسانًا نبيلاً إلى هذا الحد، ولن نستطيع أن نجد رجلاً كريمًا إلى هذا الحد، ولن نستطيع أن نجد عالمًا موسوعيًا بهذا القدر من المعرفة والذكاء والشمولية.
يتضاءل الوجع على عظمته إذا ما تذكرنا مصاب أبنائك وأهل بيتك، فإذا كنا نحن الذين نجتمع معه ساعة أو أقل نشعر بكل هذا الفقد، فكيف يكون مصاب من تربوا فى كنفك وشربوا من محبتك وتنعموا بروحك المسالمة الحانية الدافئة؟
نحن موجوعون يا دكتور شاكر، موجوعون والله العظيم.
والحزن بالحزن يذكر، فقد جددك مصابنا فيك مصابنا فى أخينا الجميل الرقيق بهاء عبد المجيد، وكأننا موعودون بأن يفارقنا أجمل من فينا واحدًا بعد واحد، وأن تجف أوراقنا بعد أن يغيب عنها الندى ورقة بعد ورقة، وأن نعيش فى صقيع العلاقات مسبوقة الدفع، وحر الرسائل المعلبة و"الأموشنز" السخيفة، بعد أن كنا ننعم بتلك الأرواح القطيفية الروح.
يغيب الريحان وتمكث الحلفا، يغيب النسيم ونعيش فى الهجير، يغيب الصدق ويعم التزييف، يغيب السكن ويسكننا الوهن، يغيب العلماء ويمكث اللاعبون بالثلاث ورقات، تغيب الابتسامة الصافية، والأنفس الراقية، والقلوب العامرة، والعقول الناصعة، والأيادى البيضاء، ويمكث ما دون ذلك، وليس لنا إلا وداع ما تبقى فينا من نبل.