تفرق جنود السلطان المملوكى طومان باى، بعد هزيمته أمام جيش السلطان «سليم الأول» العثمانى، عند دهشور بالجيزة، يوم 26 مارس عام 1517، كانت هذه المعركة هى الثالثة له ضد «سليم»، الذى جاء بجيشه ليغزو مصر والشام، وكانت معركة «الريدانية» يوم 22 يناير 1517 هى الأولى، وفى اليوم التالى لها دخل العثمانيون القاهرة، وخطب لـ«سليم» فى المساجد، إيذانا بسقوط دولة المماليك، حسبما يذكر الدكتور عماد أبوغازى، فى كتابه «طومان باى.. السلطان الشهيد».
يذكر «أبوغازى» أن «طومان باى» بعد هزيمته فى الريدانية، فر إلى البهنسا بمركز بنى مزار، فى المنيا، ومن هناك بدأ يعد العدة بتنظيم صفوفه، واستمر ثلاثة شهور تقريبا فى كر وفر أمام العثمانيين، وقطع الطرق أمام وصول الغلال والبضائع إلى القاهرة، ما أدى إلى نقص واضح فى الحبوب والجبن والسمن والقشدة، كما اختفى الخبز من أسواق القاهرة، فنهب العثمانيون الشون ليطعموا خيولهم بما فيها من غلال.
كانت مقاومة «طومان باى» من القوة لدرجة أن الشائعات راجت فى الشام حول انتصاراته واستعادته لمصر، يذكر «أبوغازى» أن «سليم» اقتنع بقبول طلب طومان باى بالصلح، وبنفس الشروط التى عرضها عليه «سليم» قبل موقعة «الريدانية» وهى أن تكون الخطبة والسكة باسم «سليم»، ويتولى «طومان باى» حكم مصر نيابة عنه، لكن «طومان باى» نفسه عاد وتراجع عن طلب الصلح، وفى 26 مارس 1517 جرت المعركة الحاسمة، يؤكد «أبوغازى»: «رغم أن جيش طومان باى تفوق فى البداية، إلا أن البارود والرصاص حسما المعركة مرة أخرى لصالح العثمانيين».
يذكر «أبوغازى»، أن «طومان باى» بعد هزيمته فر متجها إلى الشمال، نحو تروجه بالبحيرة، حيث لقاه حسن بن مرعى، وابن أخيه «شكر»، من مشايخ العرب بالبحيرة، فى ضيعة تسمى البوطة، ويذكر الدكتور أحمد فؤاد متولى فى كتابه «الفتح العثمانى للشام ومصر»: «فر طومان باى يوم الجمعة 27 مارس، مثل هذا اليوم، 1517 بعيدا فى الدلتا فى مكان أمين، بعد يأسه من الصمود فى معركة غير متكافئة العدد والعدة، وقال لأتباعه الذين كانوا برفقته: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، اعلموا يا أغوات أن دولتنا قد زالت، وآجالنا قد مالت، وما بقى لنا فى هذه الديار نصيب».
يضيف «متولى» أن «طومان باى»، توجه إلى مدينة سخا، بالغربية، حيث الشيخ حسن بن مرعى، وقال لمن معه: «لا بقى لنا رأى إلا أن أذهب إلى حسن بن مرعى وابن عمه شكر، فإنى قد وليتهم على شيوخ العرب، وأطلقت حسن بن مرعى من الحبس، بعد أن كان المرحوم السلطان الغورى كتب على قيده «مخلد»، وأطلقته لما أن صار الأمر لى، وأخذت عليه العهود والمواثيق والإيمان المغلظة أن يكون معى ظاهرا وباطنا، ويكون معى بالقلب والقالب إذا احتاج الأمر لذلك، وما أحسن من سيرنا إليه، ونكون نحن وهو على قلب رجل واحد، ثم ندبر بعد ذلك أمرنا، وننظر ما يكون من جانب الله تعالى وهو يعلم أنهم، يقصد العثمانيين، باغون علينا»، وعند «تروجه» لقيهم أبناء «مرعى» وعزموا على السلطان بالضيافة بعد أن قبلوا يده، وركن السلطان إلى ولائهم، وأحضر لهم مصحفا وحلف ابنا مرعى على ألا يخوناه، ولا يغدران به، ولا يدلسان عليه بشىء من الأشياء، ولا لسبب من أسباب المسك، ولا يدلان عليه، وحلفا له على المصحف سبع مرات، فطاب قلبه إلى ذلك واستقر عندهما».
انتهت جولة «طومان باى» هذه المرة بأسره، وكانت الخيانة هى كلمة السر التى قادته إلى نهايته، يذكر «متولى»: «بعد أن اطمأن حسن بن مرعى على استقرار طومان باى ومن معه، خرج عنهم ليستطلع الأخبار، وحدثته نفسه بالخيانة، ويقال إن مجادلة حادة وقعت بينه وبين أمه فى أمر الخيانة، وحذرته الأم من هذا العمل، وأخذت تذكره بما للسلطان طومان باى عليه من أياد بيضاء، وجهدت فى نصحه فلم ينتصح إذ كان يطمع فى المكافأة، وشجعه ابن عمه بقوله: وهل عاقل يبيع عاجله بآجله، لا تمل إلى الكفة الخاسرة، فيحصل لك الخسران».
حسم «ابن مرعى» أمره وتجاهل نصح أمه، ولم يحفظ عهد القسم، وخان السلطان الذى أحسن إليه من قبل، يذكر «متولى»: «أبلغ حسن بن مرعى، «سليم»، بوجود «طومان باى» مختبئا عنده، فبعث إليه «سليم» بفرقة من جنده قبضت عليه يوم الاثنين 30 مارس 1517 وأحضرته مقيدا إلى مكان يدعى «أم الدينار» ثم نقلته إلى الجيزة، ومنها عبرت إلى بولاق حيث مقر السلطان العثمانى».