وافق مجلس الوزراء المصرى فى اجتماعه يوم 4 إبريل 1979 وبالإجماع فى جلسة واحدة على اتفاقية معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، الموقعة فى واشنطن يوم 26 مارس 1979، وفى صباح يوم 5 إبريل، مثل هذا اليوم، 1979، ألقى الرئيس السادات خطابا مطولا أمام مجلس الشعب هاجم فيه من انتقدوا الاتفاقية هجوما قاسيا ساخرا، حسبما يذكر الدكتور عصمت سيف الدولة فى كتابه «هذه المعاهدة، لماذا؟».
ونشرت «الأهرام» خطاب السادات فى عددها يوم، 6 إبريل، 1979، وشمل هجومه على الدول العربية التى أعلنت رفضها للاتفاقية، وبصفة خاصة، العراق وأطلق على قيادته «البعث التكريتى»، وسوريا وأطلق على قيادتها «البعث العلوى»، ووصف الرئيس الليبى العقيد معمر بـ«الولد المجنون»، كما هاجم منظمة التحرير الفلسطينية وخص الرجل الثانى فى حركة «فتح» صلاح خلف «أبو إياد» بالهجوم، قائلا: «ائتمنت الرجل الثانى فى فتح على موعد حرب أكتوبر 1973، ولكنه أذاع السر فى صحف بيروت».. كما هاجم الاتحاد السوفيتى، قائلا: «الحل المنفرد.. ده تعبير روسى»، وفى نفس الوقت امتدح رئيس الكونغو «موبوتو».
على الصعيد الداخلى، هاجم السادات المعارضين للاتفاقية، وخص زملاءه أعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو الذين أصدروا مذكرة، وقع عليها أربعة من قيادات الثورة هم، عبداللطيف البغدادى، زكريا محيى الدين، حسين الشافعى، كمال الدين حسين.. قال عنهم: «على أعضاء مجلس الثورة السابقين أن يعرفوا أنهم جيل مضى»، وشرح ما قاموا به وأغضبه، قائلا: «جانى ورقة وكنت أحب أنها ترسل إلىّ مباشرة بدلا من تسليمها للمراسلين الأجانب.. كان أكرم لهم اللى هم أربعة من أعضاء مجلس قيادة الثورة القديم إنهم يبعتوها لى، لأنهم بعتوا قبل كده فى كامب ديفيد عريضة، وكان أيامها سيد «سيد مرعى» رئيس المجلس، لديه العريضة، وقلت له دخلها فى مناقشات المجلس، طيب دى راحت للمراسلين الأجانب مايهمنيش كتير، بس كان أكرم لهم لأنفسهم أن يبعتوها لى».
صدرت المذكرة الأولى من هؤلاء ورفعوها إلى السادات يوم 1 أكتوبر 1978، وذلك بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وحسب نصها فى جريدة «السفير اللبنانية، 8 أكتوبر 1979» فإنها حذرت من أن اتفاقية كامب ديفيد، ستؤدى إلى عزل مصر عن الأمة العربية لإضعاف مصر والأمة العربية معا لتقع كلها بين براثن الاستعمار الإسرائيلى للمنطقة، وإضفاء الشرعية على كل الأوضاع غير المشروعة لإسرائيل ولمخططاتها فى المنطقة، وتصفية القضية الفلسطينية والشعب العربى الفلسطينى لصالح إسرائيل.
لم يقتصر خطاب السادات على الهجوم ضد المعارضين للمعاهدة، وإنما تحدث عن أمر مهم، يقود إلى إعادة تفسير أسباب خلافه الشهير مع معارضيه من كبار القيادات التنفيذية والشعبية الذين عملوا بجوار عبدالناصر، وهو الخلاف الذى حسمه لصالحه فى 15 مايو 1971 بالقبض عليهم، وإحالتهم إلى المحاكمة فى القضية التى أطلق عليها اسم «مراكز القوى».. أكد السادات فى خطابه أنه طرح مبادرته الأولى للسلام مع إسرائيل يوم 4 فبراير 1971 وأنها أغضبت «مراكز القوى».. قال نصا: «عرضت مبادرتى الأولى فى 4 فبراير 1971 اللى قلت فيها لأول مرة بعد بدء النزاع العربى الإسرائيلى بـ22 سنة فى سنة 1971.. كان فات 22 سنة من الثلاثين اللى احنا وصلنا لهم الآن.. وقفت هنا على هذا المنبر، وقلت إننى مستعد لعقد اتفاق سلام مع إسرئيل.. يومها كثيرون من المعاونين اللى معايا.. مراكز القوى.. كانوا اللجنة التنفيذية العليا بالكامل، وبعض الوزراء اللى كانوا قريبين.. جميعا كاد يغمى عليهم».
انتهى خطاب السادات فى النهار، وفى المساء توجه الدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء، إلى مجلس الشعب، وألقى أمامه بيانا الذى قدم به معاهدة السلام، وطلب من المجلس الموافقة عليها.. فقال رئيس المجلس الدكتور صوفى أبو طالب: «لما كان القرار الجمهورى رقم 153 لسنة 1979 متضمنا ومرفقا به معاهدة السلام بين جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل، وملحقاتها والاتفاق التكميلى الخاص بإقامة الحكم الذاتى الكامل فى الضفة الغربية وقطاع غزة والموقع عليه فى واشنطن يوم 26 مارس 1979، فإننى آقترح إحالة نصوص القرار الجمهورى والاتفاقية الملحقات والاتفاق التكميلى، وكذلك بيان رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، ونصوص مذكرة التفاهم الأمريكى الإسرائيلى المؤرخة فى 25 مارس 1979 إلى لجان العلاقات الخارجية والشؤون العربية والأمن القومى والتعبئة القومية لإعداد تقرير وعرضه على المجلس».
يؤكد عصمت سيف الدولة: ارتفعت أصوات تقول: «النصوص غير موجودة».. ذلك لأن شيئا من تلك الوثائق بما فيها «معاهدة السلام» لم يكن قد وزع على أعضاء المجلس «نواب الشعب» حتى ذلك الحين، ولم يوزع عليهم أبدا بعد ذلك.. فرد رئيس المجلس: «النصوص جميعها، أودعت بالمجلس».