فى لقائه بأمانات الحزب الوطنى الحاكم، يوم 21 إبريل، مثل هذا اليوم، 1986، أعلن الرئيس الأسبق مبارك عن تنازل أسرتى عبدالناصر والسادات عن الاستراحتين المخصصتين لهما على شاطئ المعمورة بالإسكندرية لاستغلالهما فى السياحة، وأكد مبارك أن الأسرتين تقدمتا بخطابين للتنازل، حسبما تذكر «الأهرام» فى عددها يوم 22 إبريل 1986.
كان هذا الإعلان من مبارك ختاما لحملة بدأها الكاتب الدكتور يوسف إدريس على صفحات جريدة الأهرام، وأثارت ضجة كبيرة وقتها، وشغلت الرأى العام والصحافة طوال أسبوعين، وشهدت تفاعلات ساخنة بين أسرة عبدالناصر وإدريس.
بدأ «إدريس» حملته بمقاله فى الأهرام بعنوان «رجاءان» يوم 7 إبريل 1986، ذكر فيه أنه يتوجه إلى أسرتى عبدالناصر والسادات يرجوهما التنازل عن استراحتيهما فى المعمورة، اللتين تحيط بهما مساحة نحو 400 فدان، أى مليون وستمائة وثمانين ألف متر مربع، وأضاف أنه لو تم بيع هذه المساحة وقدرنا المتر بألف جنيه، فسيكون الثمن خرافيا يتعدى مليار جنيه، وهى «ليست كافية لتسديد ديون مصر فقط، ولكنها تكفى لإنهاض الاقتصاد المصرى كله نهضة تغنينا عن سؤال اللئيم، وتنجز مشروعات المجارى والطرق والمصانع، وتصنع المشروعات».. وتساءل: «لماذا لا تقتصر كل عائلة على الفيلا التى تقيم فيها وحولها حديقة معقولة ولتكن فدانا، ويباع الباقى للمواطنين».
خص «إدريس» فى مقاله أسرة عبدالناصر بوصفهم أصدقاءه، خصوصا الدكتور خالد أكبر الأبناء الذكور للزعيم الراحل، وفى يوم 12 إبريل 1986 أفردت «الأهرام» نصف صفحة لتحقيق حول هذا الموضوع، وتحته رد عنيف من خالد بعنوان «الذين يتجاهلون الحقائق».. قال خالد: «كنت أتمنى أن يراجع الدكتور يوسف إدريس مصدر معلوماته، فهذا البيت الذى كان يقيم فيه جمال عبدالناصر فى المعمورة هو ملك الدولة، وخصص لإقامة الرئيس، وأن مساحة البيت بحدائقه ليست 400 فدان بحال من الأحوال، وإنما مجملها خمسة أفدنة محاطة بسور، وباقى المساحة موزعة إلى وزارة الزراعة، ووزارة الدفاع، وأن مجلس الأمة أصدر قانونا بأن يكون هذا البيت لعائلة جمال عبدالناصر مدى الحياة يعود بعدها للدولة المصرية».
تزامن مع رد الدكتور خالد، قيام والدته السيدة تحية، حرم جمال عبدالناصر، بإرسال خطاب إلى مجلس الشعب، تعلن فيه تنازلها عن الاستراحة، وقالت فى خطابها: «كل ما أنتظره هو اليوم الذى أقابل فيه ربى، وأدفن إلى جوار جمال عبدالناصر الذى أعطى حياته كلها لمصر».. انفعل «إدريس» بخطاب السيدة تحية، وكتب مقالا بعنوان «العظمة سيدة فاضلة» فى الأهرام، 21 إبريل، 1986، وهو نفس اليوم الذى أعلن فيه مبارك تنازل أسرتى عبدالناصر والسادات عن الاستراحتين.
قال إدريس: «وأنا أقرأ خطاب السيدة العظيمة حرم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، كانت آلاف الخواطر تحتدم فى عقلى أولها وعلى رأسها أن هذه السيدة، سيدة عظيمة بكل ما تعنى كلمة العظمة من أبعاد ومواقف، فعلى مدى سنين طويلة كانت زوجة لأكبر زعيم معاصر أنجبته مصر والأمة العربية جمعاء، ولكنها أبدا لم تنظر لنفسها يوما على أنها زوجة لزعيم أو رئيس، ولا حتى نظرت إليه كما كان الناس ينظرون إليه زعيما وقائدا ملهما ورئيسا، وإنما كانت تراه دائما الزوج ورب البيت والأب والأخ والحبيب.. والواقع أننى حين كتبت هنا تحت عنوان «رجاءان»، كان عقلى الباطن يخاطب تلك السيدة العظيمة المتواضعة، التى لا يمكن أن ترضى بأن يكون شعب مصر فى ضائقة ولا تخف إلى مساعدته وتقديم كل ما تستطيع تقديمه من أجله.. كنت موقنا ومتأكدا أنها ستفعل هذا، ولا حجة بعد خطاب السيدة حرم الزعيم الراحل الذى طلبت رسميا إيداعه فى مجلس الشعب»، وناشد إدريس أن تخطو أسرة السادات نفس هذه الخطوة.
انتهت هذه المعركة، لكن خالد عبدالناصر لم ينسها أبدا، ففى حوار أجريته معه ونشرته جريدة البيان الإماراتية على ثلاث حلقات «8 مارس 1999».. قال لى: «أخطأ يوسف إدريس أولا حين قال إن البيت مساحته 500 فدان، والحقيقة أن مساحته خمسة أفدنة، وأخطأ فى حساباته حين قال إن ثمنها 100 مليار جنيه.. كانت الحسبة بالإضافة إلى خطئها أقرب إلى الكوميديا.. وكان الأفضل أو الأكرم له أن يقول.. بلاش تصيف هذه السيدة «تحية».. وكان من جانبها أن قالت: «يا جماعة إذا كانت الأرض دى هتسدد ديون مصر.. خدوها»، وأرسلت خطابا إلى صحيفة الأهرام ومجلس الشعب تعلن تنازلها عن الكابينة والأرض التابعة لها.. وقالت فى الخطاب: «كل ما أنتظره هو اليوم الذى أقابل فيه ربى.. وأدفن إلى جوار جمال عبدالناصر الذى أعطى حياته كلها لمصر.. لهذا لم أسامح يوسف إدريس».