القومى للإعاقة يكشف عن مخاوفه من انتقال أفكار داعشية للقاهرة ومجتمع الصم والبكم الأكثر عرضة للتأثر فى ظل تفشى الأمية والبطالة.. وتحذيرات نفسية من التهميش الممنهج
الابتلاء من الله ليس عيبًا يجب مداراته والتوارى عن عيون البشر لإخفائه، إنما الخطأ يكمن فى العقول غير المدركة والواعية لذلك، وهو ما يعرض ذوى الإعاقة فى الوطن العربى بشكل عام، ومصر على وجه الخصوص، إلى التهميش وعدم الاهتمام بهم وبقدراتهم مما يدفعهم إلى الانجراف نحو المجهول، وحتى وإن كان عالم التطرف.
فى 26 مايو الجارى، كشف أشرف مرعى، رئيس المجلس القومى لذوى الاحتياجات الخاصة خلال اجتماعه بلجنة التضامن بالبرلمان، أن المجلس توصل إلى وجود فيديوهات عبّر شبكة الإنترنت لتجنيد المعاقين فى تنظيم الدولة "داعش"، مؤكدًا إلى أن مجلسه يسعى عن طريق استخدام الوسائل التكنولوجية إلى تدريب ذوى الإعاقة لتجنب الوقوع فى مثل هذه الكوارث.
حديث يتجدد
حديث رئيس المجلس القومى لذوى للإعاقة أعاد إلى الأذهان الفيديو الذى نشره تنظيم الدولة فى 9 مارس عام 2015، تحت عنوان "رسالة ممن عذر إلى من لم يعذر"، ويظهر فيه عنصران من الدواعش وهما يستخدمان لغة الإشارة موجهين رسالة إلى المسلمين فى أوروبا مفادها أن الإعاقة لن تمنعهم عن القتال، والانضمام إلى تنظيم الدولة، خاصة أنهم يعيشون فى رخاء تحت حكم الشريعة الإسلامية ويحيون من أجل قتال أعداء الدين مهما اشتد عليهم الكرب.
الفيديو المصنوع باحترافية شديدة سواء فى المونتاج أو المؤثرات الصوتية ووصلت مدته إلى 6 دقائق تقريبًا، ومترجم باللغتين العربية والإنجليزية، يظهر فيه الداعشى فى روح معنوية عالية، وكأن إعاقته ليست شىء بالنسبة له، حيث يحتوى الفيديو على مشاهد له أثناء عمله كشرطى مرور داخل حدود الدولة الإسلامية فى العراق والشام، ومعه رفيقه الذى يدعى أبو عبد الرحمن، وبخلاف عملهم هذا فإنهم يقومون بالمهام القتالية أيضا!.
خطورة فيديو تنظيم الدولة أنه يحمل رسالة إيجابية إلى مجتمع ذوى الإعاقة وبالتحديد الصم والبكم رغم ما يحتويه من وعيد ونذير وقتل ودمر إلا أنه فى الوقت نفسه أعطى ذوى الإعاقة قدر كبير من الثقة بالنفس من خلال توظيفهم فى مواقع ووظائف غير قادرين على احتلالها فى مجتمعاتهم خاصة العربية وعدد من دول العالم الإسلامى.
نماذج آخرى
لم يكن الدواعش وحدهم هم الذين استهدفوا مخاطبة الصم والبكم، بل كان الحال نفسه لأحد الفصائل المسلحة فى سوريا، الذى قام ببث عدد من التقارير مصورة بلغة الإشارة لكافة العلميات العسكرية، التى قام بها من خلال الفترة الأخيرة.. ويظهر فى الفيديوهات ما أطلق عليه مراسل جيش الإسلام للصم والبكم، وهو يشرح لهم بلغة الاشارة تفاصيل العملية، ويدعوهم للدعاء إلى المقاتلين وفى نهاية الفيديو يُعلن الانتصار فى المعركة، وأحيانًا يقف بجوار الجثث، معلنًا أن الله قتلهم ومشددًا على ارتفاع الحال المعنويات والعزيمة لأنصار الجيش.
بالعودة إلى تنظيم الدولة سنجد أن التطور فى مخاطبة ذوى الإعاقة كان واضحًا من خلال نشر صور فى 3 فبراير الماضى، لأحد أفراده المقعدين أثناء قيامه بعملية إعدام لثلاثة أفراد إدعى التنظيم أنهم من الجواسيس عليه، وذلك فى مدينة سرت الليبية.
ووفقًا للصور التى نشرتها وسائل إعلامية موالية لتنظيم الدولة فإن الشخص القعيد ظهر على كرسيه المتحرك، ووراءه شخص يرتدى "بدلة" الموت البرتقالية وبجانبه جثتين إضافية إلى جانب السجن فى إشارة إلى أنه نظم هذه العلمية فيما لم يتم التأكد من حقيقة قيامه بهذا التصرف من عدمه.
وحول إمكانية للجوء التنظيمات المتطرفة وعلى رأسهم داعش إلى تجنيد ذوى الإعاقة ومدى تقبلهم لهذا الأمر يؤكد الدكتور نبيل نعيم، القيادى الجهادى السابق، أن التنظيمات المتطرفة يمكن أن تلجأ لتجنيد ذوى الإعاقة مستغلة حالة الإحباط التى يعانى بعضهم منها، مضيفًا أن العمل الجهادى له بريق قد يُثير عدد من أشخاص ذوى الإعاقة لتنفيذها فى ظل تهميش بعضهم وعدم استغلال قدراتهم بالشكل الأمثل.
الحديث عن أصول فكرة تجنيد ذوى الإعاقة فى تاريخ الحركات الجهادية، ضرورى كى يحدد مدى خطورة الوضع القائم ووفقًا للخبير فى شئون الحركات الإسلامية الدكتور كمال حبيب، قائلا فى تاريخ العمل الجهادى لم يتواجد هذا الاتجاه لاسيما أنهم سيشكلون عبئا على التنظيم الجهادى أو عمليات التى طالما اعتمدت على الشباب قوى البنية.
فى تاريخ العمل الجهادى استنادًا لتأكيدات الخبير فى شئون الحركات الإسلامية لا توجد حركة فكرية تبنت هذا الاتجاه إلا أن بعض الفيديوهات عبر شبكة الإنترنت أشارت إلى تكوين كتيبة للصم والبكم فى مدينة مصراتة الليبية، ووفقًا لرئيس منظمة ضحايا حقوق الإنسان الليبية، ناصر الهوارى، فإن تلك الكتيبة تنتمى إلى تنظيم فجر اليبيا أحد الفصائل المسلحة التى تكونت فيما ما بعد ثورة 17 فبراير.
وأوضح رئيس منظمة ضحايا حقوق الإنسان أن تنظيم فجر ليبيا شكلت تلك الكتيبة فى محاولة لإظهار شباب المدينة أمام العالم بأنهم أصحاب قضية عادلة، وحتى الصم والبكم وهم أصحاب إعاقة يشاركون فى العمليات العسكرية ومنها عملية قسورة التى قام بها التنظيم، مضيفًا: "تم عرض مقاطع فيديو لشباب من الصم والبكم يحملون السلاح ويلوحون به ضمن ما سمى بكتيبة الحركة 3 للصم والبكم بمدينة مصراتة وهذا لا يعدوا كونه محاولة للشو الاعلامى والظهور بمظهر القوة الكاذبة، لكنه فى نفس الوقت يعد جريمة أخلاقية".
وأوضح الهوارى: "استخدام أصحاب الإعاقات والأحداث فى الصراعات المسلحة جريمة منصوص عليها فى المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والحروب، وعليه فقد طلبنا فى منظمة ضحايا لحقوق الإنسان بضرورة محاكمة المتورطين فى تجنيد هؤلاء الشباب أصحاب الاحتياجات الخاصة وإقحامهم فى الصراع المسلح، لكن لعدم وجود سلطة مركزية ولسيطرة المليشيات على مقاليد الحكم، ذهبت كل مطالبنا ونداءاتنا فى مهب الريح".
وأضاف رئيس منظمة حقوق الإنسان الليبية: "مثل هذه الكتائب لا وجود لها حاليًا لأن من قاموا بذلك انتبهوا لخطورة الأمر ولما سيجره عليهم من عقوبات وملاحقات، لذا لم نعد نسمع عنها، لكن لا يستبعد أن يتواجد متطوعون من الصم والبكم والأحداث ضمن مليشيات مصراتة".
وحول إمكانية لجوء التنظيمات المتطرفة ومنهم داعش لهذا النحو خلال الفترة المقبلة، يرى هشام النجار، الباحث الإسلامى، أنه وارد، نظرًا لخفوت بريقه فى العالم العربى والإسلامى، ووصول فكرة إلى أغلب الفئات العربية والإسلامية مفادها أن هذا التنظيم لا يعمل من أجل خدمة الأفكار الأم الإسلامية، بل لتحقيق أهداف قوى إقليمية ودولية، إضافة إلى ابتعاده عن صحيح الدين الإسلامى وإساءة إليه من خلال ارتكاب أفعال تنافى القيم الدينية والإنسانية.
وأشار الباحث الإسلامى إلى أن تنظيم الدولة قد يلجأ إلى تجنيد المعاقين بأى شكل من الأشكال فى محاولة منه لتنفيذ مخططته بعدما انحصرت أعماله فى ظل توالى الضربات عليه، والإحجام عن الانضمام إلى صفوفه، وبناءً عليه يتم تحويل الدفة إلى استغلال عدد من ذوى الإعاقة الذى يسهل السيطرة عليهم بشكل نسبى.
وأشار النجار إلى أنه فى تاريخ الحركات الجهادية والإسلامية لم يتواجد نمط استغلال ذوى الإعاقة لأن الاعتماد دائمًا ما كان يعتمد على أصحاب البنية القوية الذين يعتنقون الأفكار الجهادية ويبذلون الغالى والنفيس فى خدمتها.
الوقائع المُشار إليها أعلاه، تجعل الوضع مثيرًا للمخاوف فى مجتمع مثل المجتمع المصرى الذى يُعانى فيه ذوى الإعاقة من التهميش، وغياب التعليم ووظائف العمل عن قطاع عريض كبير منهم، هذا ما يخشاه الدكتور أشرف مرعى رئيس مجلس القومى إلى ذوى الإعاقة، الذى أعاد الفكرة إلى الأذهان مرة أخرى، والذى أوضح أنه تحدث أمام لجنة التضامن بالبرلمان منذ أيام عن فيديوهات تجنيد موجهة إلى فئة الصم والبكم بداعش كنوع من دق جرس الإنذار خاصة أنه كان هناك حشد من المسئولين متواجدين يجب لفت أنظارهم لذلك الموضوع الهام.
وأكد رئيس المجلس القومى للإعاقة أن مجتمع الصم والبكم بالتحديد الذى أشار إليه يعانى من نسبة أمية وبطالة تتجاوز الـ 90% تقريبًا مما يجعله عرضة لأى تيار فكرى يجذبهم نحوه سواء بأفكار متطرفة أو غيرها، مضيفًا أن المنطق يقضى بأنه فى حالة تعرض الجيران للخطر، لابد من أخذ الاحتياطات الواجبة قبل قدومه للديار لاسيما أن العدو فى درجة خطورة تنظيم الدولة ويُمكنه استغلال أى نقطة ضعف للتسرب والإضرار بالوطن.
ولفت مرعى إلى أن الحل من وجهة نظهر يتلخص فى الاهتمام بضرورة تعليم الصم والبكم، وإصدار كتب دينية بلغة الإشارة لكى تعلمهم صحيح الدين، إضافة إلى ذلك توفير فرص عمل لهم حتى لا يتسرب الإحباط لهم، ويجعلهم مُعرضين للتأثير عليه بالسهولة فى ظل نقص الوعى.
بالنسبة للشق النفسى يرى جمال فرويز، استشارى الطب النفسى أن تسخير بعض أشخاص من ذوى الإعاقة للعمل لصالح تنظيم الدولة وارد للغاية خاصة أن كافة الظروف المجتمعية تدفعهم نحو الاتجاه إلى ذلك المسلك، مضيفا: "الأزمة تتلخص فى أننا نتعامل مع ملف ذوى الإعاقة بمنطق نحن وهم، وهذا أساس الأزمة".
وأشار استشارى الطب النفسى إلى أنه يمكن لتنظيم داعش أو أى جماعة تتبنى الفكر المتطرف السيطرة على الشخص المعاق من خلال الزاوية التى يتجاهل المجتمع ألا وهى إشعاره بأهمية ذاته خاصة أنهم يطلبونه بالاسم، مؤكدين له على إيمانهم التام بمعتقد أن كل ذى عاهة جبار، لذا عليه أيضًا إثبات هذا الأمر، مضيفًا أن النقطة الآخيرة المعتادة التى يتم اللعب على أوتارها هى الدين ونصرة الإسلام والمسلمين المستضعفين فى الأرض.
أوضح فرويز أن استغلال داعش أو جماعات الفكر المتطرف لذوى الإعاقة، يُحقق العديد من الفوائد لهم على رأسها أنه فى حالة إلقاء القبض على هذا الشخص لن يكون متمكنًا من الإدلاء بمعلومات تفصيلية عما يعرفه فى حالة كان أصم أو أبكم، مضيفًا أنه يمكن استغلال إمكانية التساهل مع أشخاص ذوى الإعاقة فى الأماكن أو الدخول لأى مكان بدون رقابة مشددة، وإدخال المتفجرات فى عكازه أو كرسيه المتحرك.
ولفت استشارى الطب النفسى إلى أن إهمال قطاع عريض من فئات المجتمع لن ينتهى إلا بكارثة، مضيفًا:"نحن كمصريين لا نتعلم من الدرس، خصوصا إذا الخصم جماعة شديدة الذكاء والتطور وقادرة على استغلال الجوانب النفسية مثلما يفعل تنظيم الدولة".