مع تطورات الاقتصاد العالمى وبداية تعافى أسعار النفط العالمية، يبدو أن الموازنة العامة للعام المالى المقبل 2016/2017 ستشهد أزمة تبدو بوادرها فى الأفق، مع وصول أسعار النفط إلى 50 دولارا للبرميل خلال الأسبوع الجارى، فى حين أن الموازنة الجديدة قائمة على أساس أن سعر البترول عام 2017 هو 40 دولارا للبرميل.
وطبقا للبيان المالى لموازنة العام المالى المقبل 2016/2017، الذى ألقاه وزير المالية أمام البرلمان قبل أيام، فإن كل زيادة قيمتها 1 دولار فى سعر برميل النفط، يرفع قيمة دعم البترول بواقع 1.9 مليار جنيه، وهو ما يعنى تحميل الموازنة 19 مليار جنيه إضافية على مخصصات دعم المواد البترولية مع زيادة سعر البرميل لـ50 دولارا.
ومع ارتفاع سعر النفط العالمية تزيد قيمة الأرباح التى تحققها الهيئة العامة للبترول، وبالتالى ترتفع قيمة المبالغ التى تؤول من الهيئة إلى إيرادات الموازنة بقيمة 400 مليون جنيه فى حالة زيادة سعر البرميل 1 دولار، حسب البيان المالى.
ومع زيادة سعر البرميل بنحو 10 دولارات عن السعر المرصود فى الموازنة وهو 40 دولارا، فإن إجمالى ما ستحققه الهيئة من فوائض متوقعة هو 4 مليارات جنيه، هذه الفوائض يقابلها زيادة فى مخصصات دعم المواد البترولية فى الموازنة العامة بقيمة 19 مليار جنيه، ومع طرح قيمة الـ4 مليارات جنيه فوائض الهيئة التى ذكرناها سابقا من هذه المخصصات، فان ذلك يعنى ارتفاع قيمة العجز فى الموازنة بـ15 مليار جنيه إضافية.
ناهيك عن تغيرات سعر الصرف خلال العام، حيث يشير البيان المالى إلى أن تراجع سعر صرف الجنيه المصرى أمام الدولار الأمريكى بواقع 10 قروش، يرفع عجز الموازنة 1.1 مليار جنيه، وهى الأرقام التى تشير إلى أن الموازنة الجديدة أمامها تحديات هائلة تتعلق بحركة الأسعار العالمية وحركة سعر الصرف التى تمثل مزيد من الضغوط فى ظل النقص الحاد للعملة الصعبة بالسوق الرسمية.
وكان البنك المركزى قد أعلن عن زيادة الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية بمقدار 451 مليون دولار، خلال أبريل الماضى، ليصل إلى 17.01 مليار دولار، وهى أكبر زيادة شهرية منذ 7 أشهر، ولكن هذه الزيادة مرشحة للتراجع فى شهر يوليو المقبل عند قدوم موعد استحقاق الوديعة القطرية وقسط ديون نادى باريس بقيمة إجمالية 1.7 مليار دولار يسددها البنك المركزى.
وتتجه أنظار العالم إلى فيينا الخميس المقبل، حيث يحل موعد اجتماع دول الأوبك المنتجة للنفط، الذى يضم فى عضويته 12 دولة منتجة للنفط، وهو الاجتماع الذى سيتحدد بناء على نتائجه الكثير، خاصة بعد فشل الاجتماع السابق الذى عقد فى أبريل الماضى بالعاصمة القطرية الدوحة الذى ضم 16 دولة منها دول الأوبك و4 دول أخرى منتجة للنفط، فى الوصول لاتفاق عالمى بشأن تخفيض الإنتاج أو تثبيته، بما يسهم فى عودة الانتعاش مرة أخرى لأسعار النفط.
وستنعكس نتائج اجتماع فيينا المقبل، بصورة مباشرة على الموازنة المصرية للعام المالى القادم، فإذا لم تتوصل الدول لاتفاق واضح بشأن تخفيض أو تثبيت الإنتاج، ربما يظل الوضع الحالى للأسعار على ما هو عليه لحين عودة حركة السوق لطبيعتها، أما إذا اتخذت هذه الدول قرارا بتخفيض الإنتاج، فإن هذا سيسهم بصورة مباشرة فى ارتفاع أسعار النفط العالمية، وبالتالى ستحدث زيادة فى عجز الموازنة المصرية التى خصصت 35 مليار جنيه لدعم المواد البترولية، على اعتبار استمرار الأسعار فى مستويات منخفضة.
وتستهدف موازنة العام المالى المقبل عجز كلى بالموازنة تقدر قيمته بـ319.5 مليار جنيه، بنسبة 9.8% من الناتج المحلى الإجمالى طبقا للبيان المالى، وتشير تقديرات البيان أيضا إلى ارتفاع الدين الحكومى إلى 3.1 تريليون جنيه، تعادل 97.1% من الناتج المحلى تقريبا، وهى النسب المرشحة للزيادة جراء تطورات أسعار النفط.
ويتوقع عدد من الخبراء والمؤسسات الدولية، عودة حركة أسعار النفط للانتعاش مرة أخرى خلال عام 2017، فى ظل تخفيض الشركات المنتجة لاستثماراتها فى هذا القطاع، بل وإغلاق بعض الشركات، وهو ما سيؤدى بالتبعية لانخفاض حجم المعروض من الطاقة، وزيادة الأسعار.
هذه التطورات تؤكد الحاجة الشديدة للحكومة بكافة قطاعاتها لأن يكون لديها نظاما مستقرا للتوقعات الاقتصادية التى تعتمد على الأسلوب العلمى وليس التقديرات التى تهدف لتجميل صورة الموازنة دون أن تستند لمعطيات اقتصادية حقيقية، حتى لا نجد أنفسنا أمام تغيرات خارجية ومحلية لم تكن فى الحسبان تعصف بكافة حسابات المالية العامة للدولة.