أحمد إبراهيم الشريف يكتب : فى حضرة الموسيقار عبده داغر.. رحيل لحن موسيقى من قلب مصر.. الذكريات غلبت على أفكاره كان يشتاق لزمن الفن الجميل .. استغرب أن نقاد الغرب يقدرون موسيقاه العربية أكثر من العالم

أعرف عبده داغر، ولكننى لم أجلس إليه إلا منذ فترة قريبة، عندما ذهبت الزميلة شيماء بهجت لإجراء حوار معه، قلت لها هل أستطيع أن آتى معك كى أجلس فقط وأستمع إلى هذا الموسيقار الموهوب بحق؟ وذهبت وكان معنا الزميل محمد العاصى ليسجل بعض مشاهد الحوار. أول ما وصل إلىَّ من إحساس فى هذه الجلسة أن عبده داغر، الذى رحل اليوم عن 85 عاما، كان يعرف أن أمس بالنسبة إليه أحلى وأجمل من اليوم، لذلك راح يتذكر كل ما جرى منذ قديم، يتذكر أسرته الموسيقية، التى كانت تفكر فى أن ينجو ابنها من مصير الموسيقى، ولكن كيف يحدث ذلك والبيت مسكون بملائكة تعزف طوال اليوم. وبالطبع فإن ذكريات عبده داغر ليست كأى ذكريات، فكل حكاياته مصحوبة برمز موسيقى عظيم، يقول لنا لقد جاءت أم كلثوم وهى "فتاة صغيرة" إلى جدى لتتعلم العود، فعرف منذ قابلها بأنها "ثروة قومية"، يقول إن محمد فوزى كان يأتى إلى بيتهم، وربما من أجل ذلك ظل عبده داغر حتى نهاية عمره يفتح بيته ويستقبل طلاب الموسيقى والراغبين فى تعلم العزف وحتى المتذوقين للموسيقى فقط، لقد ورث ذلك عن آبائه. عندما يحدثك عبده داغر عن معاركه التى خاضها، تجد نفسك متعاطفا معه، حتى لو وصل إليك إحساس بأنه كان يستطيع التصرف فى هذا الموقف بطريقة أقل حدة تحقق له مصالحه بعيدا عن الصدامية، ثم تعرف أن إحساسك خطأ، وأنه كان فى معاركه يدافع عن "ذاته" التى بناها بموهبته وعزيمته، لا أعرف لماذا كان الناس يحاولون أن يقللوا منه أحيانا يسعون لإحراجه، بأى شيء كانوا يتهمونه، هل كان متعاليًا؟ أبدا، إن الشخصية التى رأيتها لم تكن متعالية فى شيء، نعم هو مؤمن بأن ما فعله فى الموسيقى لم يفعله أحد غيره، ولكن ذلك بحق بشهادة الدارسين للموسيقى والمحبين للفن. كان عبده داغر حزينا جدا، يقول بأنه لم يأخذ حقه من التكريم فى مصر، حكى لنا عن الغرب كيف فهمه وقدره وقدمه وأرخ لحضوره ووثق لموسيقاه، وعندما يقارن ذلك بما حدث فى مصر لا يتذكر سوى المشاكل التى واجهها بعدما طالب بوجود فرقة للموسيقى العربية، وهى الفكرة التى استجاب لها ثروت عكاشة وزير الثقافة فى ذلك الوقت، ولكن بعد ذلك واجه "داغر" العديد من الإقصاءات. كان عبده داغر إنسانا بسيطا، بما يعنى أن الموسيقى قد أثرت فيه حقا، وأنها دخلت روحه وسكنت فيها، وانعكس كل ذلك على حياته وعلى رغبته فى البوح، وعلى موسيقاه أيضا. كان عبده داغر يجلس معنا بينما روحه تحلق فى زمن الفن الجميل، عندما كان الناس يقدرون ما يسمعون، ويشيدون بالفنان ويمنحونه حقه المعنوى قبل كل شىء. فى النهاية طلبنا من الفنان القدير عبده داغر أن يعزف لنا على كمانه الأثير وقد فعل ذلك، ولكنه قبل أن يبدأ العزف حكى لنا عن هذا الكمان الذى توارثه أبا عن جد، مشيرا إلى أن عمره أكثر من 500 سنة. رحل عبده داغر وبقيت موسيقاه، ولا نقول بأنه قد أغلق خلفه صفحة العظماء فى الفن والموسيقى، فمصر ولادة بالفعل، والموسيقى جزء من وجودها ودرجة عالية فى إيقاعها.






الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;