على غرار نسخته الأولى، نجح مسلسل "الاختيار 2" فى أن يحوز على اهتمام الجميع، وذلك لما قدمه من مقاربات واقعية وسرد وتوثيق مُتقن لمرحلة دقيقة فى عمر الدولة المصرية، وقد نجح خلال حلقاته فى إيصال عدد من الرسائل والمعانى التى تُبرز للمشاهد معنى وقيمة الاختيار؛ فخلال أحداث المسلسل كان على أبطاله الذين يجسدون قصصًا حقيقية أن يختاروا بين بديلين، إما أن يختار الوطن أو الجماعة الإرهابية، إما أن يسلك طريق التضحية أو الخيانة، إما أن يكون فصلًا من فصول التاريخ أو يذهب بلا رجعة فى طريق الإرهاب والعار.
استعادة الدولة المصرية
دراسة للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية أكدت أنه نجح الاختيار 2 فى صياغة مجموعة من الرسائل والكشف عن عدة حقائق وتوثيق جملة من الوقائع بغرض تنشيط الذاكرة المصرية عبر سرد ملحمة التضحيات التى قامت بها الأجهزة الأمنية للتصدى لمخطط إيقاع الدولة المصرية فى مربع الفوضى وعدم الاستقرار، وعليه يمكننا الوقوف على عدد من الدلالات والرسائل من خلال متابعة تلك العمل فيما يلي..
أولًا: توثيق للطبعة الأكثر عنفًا، كشف الاختيار (2) عن طبعة جديدة من عنف جماعة الإخوان والتى تعد من أكثر الطبعات دموية، خاصة تلك الفترة التى أعقبت فض اعتصام رابعة، حيث أسست الجماعة على يد القيادى "محمد كمال" الجناح المسلح واللجان النوعية وعدد من التنظيمات والجماعات الإرهابية – حسم، لواء الثورة، أجناد مصر، المقاومة الشعبية- التى سعت لاستهداف الدولة استنادًا على ما عُرف وقتها بفقه المقاومة الشعبية، وبيان نداء الكنانة والذى وضع منهجًا جديدًا ومبررًا لحمل السلاح.
وقد تميزت تلك المرحلة بعدة سمات من بينها تنوع أنماط تنفيذ العمل الإرهابى سواء من خلال استهداف مباشر عبر إطلاق أعيرة نارية كعملية اغتيال المقدم "محمد مبروك"، أو من خلال استخدام العبوات الناسفة والسيارات المفخخة كما حدث فى عملية استهداف النائب العام، علاوة على استخدام القذائف الهاون والأسلحة الثقيلة فى الهجوم على الكمائن والمرتكزات الأمنية.
من ناحية أخرى، اتسع العنف فى تلك الفترة ليشمل كافة فئات المجتمع عبر استهداف مؤسسات الدولة وكل الأطراف المشاركة فى ثورة 30 يونيو، إذ تبنت اللجان النوعية للإخوان عدة أعمال إرهابية ضد رجال القوات المسلحة، والشرطة، والقضاء والإعلام ورجال الدين، كما لم تسلم دور العبادة من عنف وإرهاب الجماعة.
ثانيًا: ضريبة استعادة الدولة، يكشف مسلسل الاختيار حجم التحديات التى واجهتها الدولة ما كان يستلزم تقديم عدد من التضحيات ودفع ضريبة لاستعادة الدولة من تلك الأيادى التى سعت لاختطافها وعملت على احداث حالة من الفوضى وعدم الاستقرار من خلال محاولة هدم الدولة ومفاصلها والنيل من أجهزتها ومؤسساتها.
فالمتابع لما آلت إليه الأوضاع إبان 2011 فقد أُصيبت عدد من الدول العربية بالهشاشة المؤسساتية، وغياب دور الدولة وانتشار الجماعات الإرهابية والفواعل من غير الدول ولم تكن مصر غائبه عن هذا المخطط والمصير، وعليه أبرز مسلسل الاختيار مدى صمود مؤسسات الدولة وتلاحم الشعب فى افشال تلك المخطط، وعلى الرغم من الضريبة المكلفة وما حصدته تلك الفترة من أرواح لرجال القوات المسلحة والشرطة المصرية وعدد من المواطنين، إلا أن تلك التضحيات كانت سببًا أساسًيا لعودة الدولة المصرية والحفاظ عليها ومنعها من الوقوع فى مسار الدول الفاشلة. وعليه يُعد ابراز تلك التضحيات أمر بالغ الأهمية حتى يُدرك المواطن حقيقية الأوضاع فى تلك المرحلة للوقوف على حجم التحول والاختلاف بين ما كان وقتها وما نحن عليه الآن.
ثالثًا: التأكيد على دور القوة الناعمة، تبنت مصر مقاربة شاملة للتعاطى مع الظاهرة الإرهابية، فلم ترتكز فقط على تطويع الأداة العسكرية والأمنية فى مواجهة الإرهاب، بل توسعت فى المقاربة التنموية فى عملية المواجهة عبر الارتقاء بالمواطن المصرى من خلال عدد من المشاريع والخطط التنموية فى مختلف المجالات والتى استهدفت تنمية الإنسان ضمن أدوات المواجهة.
وعليه تأتى تلك الأعمال للتأكيد على دور القوة الناعمة ضمن المقاربة الأشمل فى معالجة الإرهاب وقضايا التطرف، وذلك من خلال المزج بين القصص والحكايات الواقعية وبين العمل الدرامى والفنى ما يساهم فى رفع الوعى لدى المواطن وفضح المؤامرات التى كان يدبرها خصوم واعداء الوطن، ومن هنا تظهر القوة الناعمة باعتبارها أحد الوسائل الفاعلة والناجزة التى يمكن توظيفها فى صد ومواجهة الإرهاب والتطرف. والعمل على تنوير العقول وفضح المؤامرات التى تُحاك ضد الأوطان، بحيث يمكن القول أن القوة الناعمة أصبحت تمثل حائطًا منيعًا فى تلك المواجهة.
رابعًا: تنشيط الذاكرة المصرية، يظل الرهان الأمثل والأكثر جدوى على المواطن ووعيه وذاكرته، وعليه يعمل مسلسل الاختيار على تنشيط تلك الذاكرة عبر استعراض تلك الاحداث وتوثيقها حتى لا تغيب عن العقل الجمعى للمواطن، كما يساهم تلك العمل فى رفع روح الولاء والانتماء لدى بعض الفئات العمرية التى لم تعاصر تلك الاحداث، ومن هنا تظهر قيمة هذا العمل الدرامى فى سرد وتوثيق تلك الوقائع والاحتفاظ بها للأجيال القادمة.
خامسًا: تفنيد الأفكار المتطرفة، ارتكز الاختيار فى اجزاء من حلقاته ومشاهده على فلسفة المناظرات الفكرية، عبر محاولة التمييز بين الأفكار المغلوطة والمشوهة التى ترتكز عليها الجماعات والتنظيمات الإرهابية والعمل على تفنيدها وتفكيك المقاربات الفكرية والتنظيمية التى اعتمدتها تلك الجماعات فى استقطاب وتجنيد عناصرها، وقد اتضح ذلك فى عدة مشاهد والتى أظهرت كيف تقع عناصر الجماعة تحت مبدأ السمع والطاعة والقبول بالأوامر وتنفيذها والنظر لقرارات القيادة كونها مسلمات لا يجب الخروج عنه، كما ابرزت حلقات المسلسل نجاح تلك الجماعات والتنظيمات فى تغليف تحركاتهم وإرهابها بغلاف الدين عبر تفسيرات دينية مغلوطة لا تتماشى مع صحيح الإسلام.
سادسًا: مقاربة الوطن والولاءات الفوقية، عقد الاختيار فى نسخته الأولى والثانية مقاربة بين اختيار الوطن والتضحية من أجله وبين الانتماء العابر للأوطان، كما هو الحال فى اختيار “المنسي” وانحيازه للوطن والدفاع عن أرضه والتضحية بحياته وبين ” عشماوي” الذى ربط مصيره ونهايته بتنظيمات وجماعات إرهابية تستهدف الوطن ومؤسساته، ومن ناحية أخرى أوضح الاختيار (2) ظاهرة خيانة الضباط ” محمد عويس” وتعاونه مع العناصر الإرهابية وافصاحه عن خط سير المقدم ” محمد مبروك” ما افضى لاستهدافه، كما وثق الاختيار لظاهرة الضباط المُنشقين وما ارتكبوه من اعمال إرهابية. إلا أن هذه المقاربة رغم تشابه افرادها وعناصرها وخلفيتهم الأولى وانتمائهم سواء للقوات المسلحة أو الشرطة لم تؤدى إلى ذات النهاية، فالفريق الأولى والذى اختار الوطن سيظل فى الذاكرة الشعبية والوطنية رمزًا للتضحية والشجاعة والشرف، أما الفريق الثانى فلن يُذكر سوى بالخيانة والعار والخزى.
سابعًا: إحياء الدراما الوطنية، تميز العمل الدرامى خلال رمضان 2021 بصبغة وطنية، إذ تصدرت الأعمال الثلاثة- الاختيار2، القاهرة كابول، هجمة مرتدة- القمة وأحدثت زخمًا كبيرًا لدى مختلف فئات وشرائح المجتمع، عبر تقديم صورة واقعية لتلك الفترة التى مرت بالدولة المصرية فى تلك الفترة العصيبة فى أعقاب عام 2011، وقد تميزت تلك الأعمال بكشف عدد من المخططات وإبراز التحديات التى واجهتها الدولة والمصير الذى كان ينتظر المجتمع لولا الرسوخ المؤسسى ونجاح الأجهزة المعنية والجهات المختصة فى حماية البلاد وابعادها عن الانزلاق فيما كان يُخطط لها.
واختتمت الدراسة أنه نجح مسلسل الاختيار فى تحقيق زخم مماثل لما حدث العام الماضى، ويبقى توثيق البطولة والتضحية عبر الدراما الوطنية ضمن الأدوات الفاعلة فى كشف مخططات الإرهاب، كما أنها تتناغم مع المواجهة الشاملة التى تستند إليها الرؤية المصرية والتى تتعدد جوانبها بين الأدوات العسكرية والأمنية والتنموية والفكرية، ما قد يساهم فى نهاية المطاف فى الحد من الإرهاب والتطرف وتجفيف منابع تلك الأفكار والقضاء على البيئة الحاضنة لها.