فاجأ الرئيس السادات، الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين، بأنه قرر تعيينه رئيسا لتحرير الأهرام خلفا لعلى أمين، وذلك أثناء لقائهما باستراحة القناطر الخيرية، وكشف السادات لبهاء عن مشاعره الحقيقية السلبية نحو «على أمين»، حسبما يذكر «بهاء» فى كتابه «محاوراتى مع السادات».. «راجع، ذات يوم، 23 مايو 2021».
استمر الحوار بين «السادات» و«بهاء» فى هذا اللقاء، إلى ما بعد الظهر، وكان كاشفًا لأحوال الصحافة وما يدور فى كواليسها وقتئذ، ونظرة السادات لها وتعامله معها، ومحاولة «بهاء» الاعتذار عن المنصب بحجج مختلفة، ورفض السادات لها.. يذكر «بهاء» ما دار فى ذهنه فور أن فاتحه الرئيس بقراره، قائلا: «لم أكن أتصور أن السادات استرد حسن ظنه الشخصى بى بعد جبل الوشايات الذى يعزل كل حاكم لدرجة أن يضعنى فى هذا المكان بالذات، ولم أكن أرغب فى أن يكون قصده من ذلك استعمالى لأداء دور معين، كما قال إنه استعمل على أمين، ثم أننى كنت قررت منذ تركى رئاسة مجلس إدارة دار الهلال ألا أتولى أية مسؤولية صحفية إلا مسؤوليتى عن نفسى، أى عن الكلام الذى أضع اسمى عليه، بعد أن حفلت الصحافة بتيارات بالغة السوء، وصار كثيرون من مندوبى الصحف لدى جهات السلطة والحكومة مندوبين لجهات السلطة والحكومة لدى الصحف، وصار الصحفى لا يعمل لمستقبله من اجتهاده وعلاقاته داخل المؤسسة، ولكن من علاقاته بالجهات ذات السلطة على الصحافة».
دارت الدنيا ببهاء حسب تأكيده.. يذكر: «فوق الأسباب السابقة كنت أدرك أننا نتوغل فى مرحلة بالغة الاضطراب فى حياتنا ومفاهيمنا السياسية لا يعرف إلا الله ماذا سيحدث فيها، وكانت معرفتى بأن السادات له ظاهر وباطن تبعد عنى فكرة العمل المباشر معه، وضرورة الاحتفاظ بمسافة بينى وبينه، وكنت فوق هذا وذاك أمر بظروف صحية، حتى أننى بالمصادفة كنت حصلت من الأهرام بموافقة الدكتور حاتم وعلى أمين، على إجازة لمدة شهر للسفر إلى لندن للعلاج».
ويؤكد بهاء أنه بدأ كلامه مع السادات بأنه لا يريد من حيث المبدأ، أن يكون رئيسًا لتحرير أية جريدة أو مجلة أو رئيس مجلس إدارة..يذكر: «قلت له أنه شخصيا يعرف هذه الرغبة عنى من قديم»..يضيف: «قصة ذلك أننى فى سنة 1965/1966، وكنت رئيسًا لمجلس إدارة دار الهلال، وسطت أنور السادت بالذات لدى جمال عبدالناصر عدة مرات ليعفينى من هذه المهمة، وكان السادات يعود إلىّ بالرفض».. يستشهد بهاء بقصة أخرى قائلا: «أذكر أننى قررت ترك العمل الصحفى فى مصر فترة من الزمن، وبالفعل عثر أصدقائى على وظيفة لى باليونسكو فى باريس لمدة سنتين، ولكن جاء الدكتور ثروت عكاشة، فجأة وزيرًا للثقافة وهو رجلنا الأول فى اليونسكو وعلم بالأمر، واستدعانى فجأة وسألنى عن مدى صحة الخبر فقلت له نعم، فقال لى إنها وظيفة صغيرة بالنسبة لك، فقلت له: إننى لا أطلب مستقبلا فى اليونسكو، المهم أنها تعطينى المرتب الذى أعيش به مع أسرتى فى نفس المستوى الذى أعيش به هنا، فقال لى إنه تصور حين علم بالأمر أننى مغضوب علىّ، وأنه اتصل بجمال عبدالناصر وسأله عن سر الغضب الذى يدفعنى للسفر إلى باريس، فدهش عبدالناصر ونفى له علمه بأى شىء من ذلك، وقال له، إنه يعرف أن جماعة الاتحاد الاشتراكى يضايقوننى، ولكنه يرجو منى ألا أهتم بذلك كثيرًا».
يؤكد «بهاء» أنه ذكر السادات بكل هذا، وكان يعرفه، ليقنعه باعتذاره، لكن السادات رفض.. يذكر: «أخيرًا لجأت إلى العذر الصحى، وقلت له إننى موشك على السفر إلى لندن، واقترحت عليه أن يؤجل القرار شهرين حتى يرجع، وأن الأهرام يستطيع أن يستمر بكل ثبات بجهازه الحالى وبمدير تحريره «على حمدى الجمال» هذين الشهرين»..يعلق بهاء: «كان أملى فى الواقع من التأجيل أن يتسع الوقت لإقناعه بالعدول».
يذكر «بهاء» أن اقتراحه لم يعجب السادات، وتندر عليه لأنه كان يمر بفترة يكره فيها على حمدى الجمال كراهية شديدة دون معرفة شخصية به، ولا يطيق سماع اسمه لأنه رأس كنقيب للصحفيين مرة جمعية عمومية صاخبة للنقابة هوجم فيها السادات هجومًا شديدًا، واعتبره إما مسؤول، وهو أمر غير صحيح، وإما أنه عجز عن السيطرة على الجمعية العمومية، والسيطرة عليها دائمًا أمر مستحيل، وصار يسميه من يومها «ميمى بيه» وصاح فى: تريد أن تترك الأهرام شهرين لميمى بيه، وكل رجال هيكل ما زالوا هناك وعلى رأسهم «ميمى بيه» نفسه.
نشرت الأهرام، خبر التعيينات الصحفية الجديدة يوم 24 مايو، مثل هذا اليوم، 1974 وشملت تعيين «بهاء» رئيسًا لتحرير الأهرام، لكن القصة لم تنته عند هذا الحد.