كانت الساعة السابعة والدقيقة العاشرة من مساء يوم، 1 يونيو، مثل هذا اليوم، 1964، حين بدأت جلسة مجلس الأمة «البرلمان» برئاسة أنور السادات، وبحضور نواب رئيس الوزراء، والوزراء.. كان حشد الحضور كبيرا للاستماع إلى بيان رئيس الوزراء «على صبرى» حول انتهاء المرحلة الأولى من مشروع السد العالى، وتحدث تفصيليا عن معركة بناء هذا المشروع العظيم، حسبما جاء فى جريدتى «الأخبار» و«الأهرام» فى عددهما يوم 2 يونيو 1964.
انتهت المرحلة الأولى من المشروع يوم 14 مايو 1964، وتحديدا فى تمام الساعة الثانية عشرة والدقيقة 22 ظهرا، حيث قام الرؤساء جمال عبدالناصر، والروسى «خرشوف»، ورئيس مجلس قيادة الثورة اليمنية «عبدالله السلال»، والعراقى «عبدالسلام عارف»، بالضغط على زر التفجير ليتحول مجرى النيل فى مشهد قالت عنه جريدة الأخبار فى مانشيتها الرئيسى يوم 15 مايو 1964«وتحققت المعجزة»، وقالت «الأهرام» فى نفس اليوم 15 مايو، فى مانشيتها الرئيسى «ساعة الانتصار»، وأضافت: «قلب مصر ينبض مع الساعة الرائعة التى تم فيها تحويل مجرى النيل» و«عبدالناصر يهدى اليوم المجيد لشهداء الثورة وأبطال الثورة المصرية الحديثة تحية لنضالهم»، وعبدالناصر يقول لجيل مصر المعاصر: «يا رجال مصر ونساءها وأطفالها لقد تحققت المعجزة وبنيتم السد».
كانت التحديات التى واجهت المشروع منذ أن بدأت فكرته هى محور بيان على صبرى، وتحدث فى ذلك عن الصعاب التى واجهت عملية تمويله، ورفض مصر للشروط المجحفة التى طرحتها أمريكا والبنك الدولى لتمويل المشروع، ثم دخول الاتحاد السوفيتى إلى ساحة القضية بإعلانه الاستعداد مساعدة مصر، وقال إنه فى السابع والعشرين من ديسمبر 1958 تم التوقيع على اتفاقية تقضى بأن يقدم الاتحاد السوفيتى قرضا لمصر قيمته 24 مليونا و800 ألف جنيه، يستخدم فى تنفيذ المرحلة الأولى لمشروع السد العالى، يسدد على 12 قسطا سنويا بفائدة سنوية قدرها اثنين ونصف فى المائة، وأضاف أنه لم يكن محض مصادفة أن تنص هذه الاتفاقية فى صراحة ووضوح على أنها عقدت بدافع من العلاقات الودية بين البلدين، ورغبة فى زيادة وتوطيد التعاون الاقتصادى والفنى بينهما على أساس من المساواة، وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية، والاحترام المتبادل والسيادة القومية لكل من البلدين.
وبينما كان موقف الاتحاد السوفيتى على هذا النحو من التأييد والدعم لمصر فى بناء السد العالى، كانت سياسة الاستعمار على النقيض، وتحدث على صبرى عن ذلك كاشفا عن حقائق أبرزها محاولة الاستعمار وضع أصابعه للوقيعة بين دول حوض النيل.. وقال: «حاول الاستعمار البريطانى والنفوذ الأمريكى بالحقد والتآمر إحداث زوبعة حول مياه النيل بسبب السد العالى بين مصر وكل من السودان وإثيوبيا وأوغندا بغية تدويل مياه نهر النيل، كما سبق أن طالبوا بتدويل قناة السويس، ويبدو أن عقدة التدويل هذه قد استحكمت على عقولهم وأفكارهم، استطاع الاستعمار أن يفتعل جفوة مصطنعة لفترة قصيرة بين الشعبين الشقيقين فى الجمهورية العربية المتحدة «مصر» وجمهورية السودان، حتى أقدمت حكومة عبدالله خليل فى السودان وقتئذ على رفع منسوب المياه أمام خزان سنار ابتداء من يوم 2 يونيو سنة 1958 قبل الموعد الذى حددته اتفاقية عام 1929».. وأضاف: «كان مجرد التمادى فى مثل هذا العمل كفيلا بعدم وصول المياه إلى أراضى الحياض، وتهديد محاصيل ما يقرب من ربع مليون فدان فى مصر، وحينما احتجت حكومة الجمهورية العربية المتحدة «مصر» على هذا الانتهاك لاتفاقية المياه، ردت حكومة عبدالله خليل يوم 19 أغسطس 1958 بقولها إن السودان لا يعترف باتفاقية عام 1929».
وأضاف على صبرى: «لكن إرادة الشعب السودانى الشقيق كانت أقوى من صانعى الخلافات والثغرات، وقامت الثورة فى السودان بقيادة إبراهيم عبود، وأعلنت أن سياسة الحكومة الجديدة هى تأكيد علاقات المودة بين الدول بصفة عامة، والجمهورية العربية المتحدة بصفة خاصة، وإنها ستعمل على إزالة الجفوة المصطنعة والخلافات المختلقة بين الدولتين الشقيقتين، والتقى الجانبان السودانى والمصرى فى مباحثات ناجحة أعلنت نتائجها فى الثانى من نوفمبر عام 1959، ووقعت الاتفاقية الجديدة، كما تم الاتفاق على شؤون التعويضات الخاصة بمنطقة حلفا التى ستغمرها مياه السد العالى بعد التخزين، ومرة أخرى يلقى الاستعمار هزيمة جديدة، وهو يسعى جاهدا وبكل الأساليب غير المشروعة لعرقلة تطور الشعوب».