فى الوقت الذى تستعد فيه مصر لافتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، تتواصل عملية بناء فى كل الاتجاهات، تمد الدولة يدها فى الريف الذى عاش إهمالا كبيرا طوال 40 عاما وأكثر، بالرغم من أنه يحتضن أكثر من نصف الشعب المصرى.
ظلت العاصمة الجديدة مطلبا مستمرا على مدار نصف قرن، بعد أن بدأت القاهرة تعانى من مشكلات الطرق والمرور والتكدس، مع بنية أساسية متهالكة، وصار مطلب نقل الحكومة والوزارات خارج المربع الضيق متكررا، خاصة أن كل التوقعات رسمت سيناريو متشائما، كانت التقارير الفنية والدولية تتوقع أن تصل السرعة فى شوارع القاهرة 2020 إلى 5 كيلومترات فقط فى الساعة.
اليوم تجاوزنا هذا الواقع، بفضل شبكة طرق ومحاور وكبارى عملاقة، بناء على تخطيط دقيق، وتشخيص لمشكلات النقل، والاحتياجات المستقبلية من تجارة وصناعة، ولم تكتف الدولة بحلول موضعية، وانطلقت إلى عاصمة إدارية جديدة ذات بنية تقنية ومعلوماتية عالية الدقة، متوازية مع سعى لتغيير نظام الإدارة ليتناسب مع هذا البنية.
عندما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، البدء فى بناء عاصمة إدارية جديدة، بدا الأمر أقرب لخيال جامح، وتعرضت الفكرة نفسها لتساؤلات، حول إمكانية تحققها أو تسويقها، لكن الأيام التالية كانت كفيلة بالرد على الأسئلة، بل وتقديم إجابات عليها وعلى غيرها.
وظهر السؤال: هل يعنى بناء عاصمة إدارية جديدة ترك القاهرة؟ وجاءت الإجابة من الرئيس: «ليس معنى ذلك إننا هنعزل»، وتزامن ذلك مع أكبر عملية تطوير للقاهرة التاريخية، والمتاحف الجديدة، ومحاور لربط المتاحف بحركة السياحة، بما يؤكد أن العاصمة الإدارية عقل للدولة يدعم تطوير نظام الإدارة المحلية، وتكون الحكومة قادرة على ممارسة عملها لخدمة الجميع من دون تفرقة.
سؤال آخر: هل يمكن إقامة عاصمة جديدة ومصر تواجه ازدحاما وتفتقد لشبكة طرق حديثة؟ الإجابة تجسدت فى شبكة طرق ومحاور وكبارى من الشمال للجنوب، ومن الشرق للغرب، توازيا مع مدن من الجيل الرابع، العلمين الجديدة والمنصورة الجديدة ودمياط وأسيوط والمنيا الجديدة، وغيرها، وهى مدن لم تقم باعتبارها مصايف أو منتجعات موسمية، لكنها تستعد لاستيعاب ملايين المواطنين، وتمتص الزيادة السكانية، وتتضمن أنشطة زراعية وصناعية وتجارية واجتماعية، أى أنها مجتمعات قادرة على التوسع وتشكيل إضافات لجهود التنمية.
وظهر السؤال المهم عن نصيب الأقاليم، وخصوصا الريف والقرى، فى التنمية، وجاءت الإجابة بإعلان أكبر خطة لتطوير القرى، أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسى، مؤكدا: «مش سايبين المحافظات، وبنتحرك فى كل الاتجاهات، من أول أسوان حتى العلمين والمنصورة الجديدة والعاصمة الجديدة، الموضوع مش بس مبانى»، كلمات الرئيس تجاوزت المبانى والطرق والمشروعات القومية العملاقة، لتتناول البشر والفرص وبناء الإنسان.
أعلن الرئيس مشروع تطوير القرى بـ515 مليار جنيه، فى أول دخول للدولة لتطوير الريف والانتقال به إلى القرن الواحد والعشرين بعد عقود من الإهمال، ضمن توزيع التنمية على المحافظات والمراكز وعدم الاكتفاء بتركيزها فى القاهرة أو الإسكندرية، وتحديد ثلاث سنوات، بما يعنى نقلة سريعة للريف، وتتضمن الخطة تحديث الخدمات والطرق، بما يربط بين القرى ومشروعات الـ1.5 مليون فدان والصوبات، وبدأ العمل فى تبطين الترع، وتوفير إمكانات وأراض لمحطات صرف فى القرى والطرق والخدمات التعليمية والصحية، ووجدت قرى فى الصعيد والوجه البحرى نفسها فى خطط الدولة.
وهذا التطوير يستغرق 3 سنوات، ويشمل 55 مليون مواطن ينتظرون أن تتغير حياتهم، وتلتحق قراهم ومدنهم بالعصر، وحسبما أعلن الرئيس، فلا يمكن تصور وجود عاصمة إدارية على كل هذا القدر من الحداثة والتقنية، بينما الريف معزول يعانى أهلنا فيه نقص الخدمات.
تطوير الريف، يعنى ربطا بين العاصمة والأطراف، وفى الإطار ذاته تأتى مبادرة «حياة كريمة»، لتغير حياة ملايين الأسر.
كل هذا يؤكد أن الأمر ليس مبانى فقط، وأن افتتاح العاصمة الإدارية سيكون بمثابة إعلان الجمهورية الجديدة، بما يتضمنه هذا من إدارة التنوع فى المجتمع، وفتح المسارات المختلفة للابتكار والحوار، بما يعبر عن هذا الواقع، خاصة بعد اكتمال المؤسسات الدستورية، والإصلاح الاقتصادى، الذى أدى لتحسين الأداء ونسبة النمو.
هذا الاستقرار يفترض أن ينعكس على الريف والأقاليم، مع المدن والعاصمة، بما يضاعف من قدرتها على التنمية وتوفير فرص عمل، والإمكانيات الاستثمارية والصناعية، يشعر معها سكان الأقاليم، وفى القلب منها الريف، بثمار الإصلاح الاقتصادى، ونظن أن العاصمة الجديدة سوف تحمل الكثير من التغيير، بما يناسب طموحات المصريين.