واضح أن الدولة المصرية تصر على حسم الموقف من سد النهضة الإثيوبى، والذى يتعلق بقضية وجودية لا يمكن التفريط فيها أو التهاون بشأنها، وتحرص مصر من البداية على الالتزام بالصبر، وضبط النفس، من واقع الحرص على العلاقات التى تربط بين دول حوض النيل، وتفضيل التعاون والعمل الجماعى على الصدام والتصرفات الفردية التى لن تقود فى النهاية إلى تحقيق مصالح الأطراف المختلفة، والتى يمكن أن تتسبب فى تهديد الأمن والسلم الأفريقى والإقليمى والدولى.
وتستند مصر فى كل مطالبها، على القانون الدولى والقوانين المنظمة للأنهار العابرة للحدود، وحقها التاريخى الممتد عبر آلاف السنين، مع التأكيد أن قضية المياه مصيرية ووجودية، ولا يمكن التهاون فيها أو تجاهل خطرها وتأثيراتها على حياة المصريين، ولهذا فإن الشعب المصرى يقف خلف الدولة ومؤسساتها والرئيس عبدالفتاح السيسى، فى هذه القضية الوجودية، ولا ينطلق الموقف المصرى المتمسك بالصبر من ضعف، أو تراجع، بقدر ما يقوم على التمسك بخيوط العلاقات التى تربط شعوب حوض النيل، لكن مصر تمتلك القدرة والآليات التى تمكنها من الدفاع عن حقوقها كاملة بلا انتقاص، وهو ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى، مرات، أن مصر لن تقبل انتقاص نقطة مياه واحدة من حق المصريين.
وتتخذ التحركات المصرية فى ملف سد النهضة الإثيوبى، وتنظيم مياه النيل، اتجاهات مختلفة، مع استمرار الموقف الإثيوبى المراوغ، والإصرار على التصرفات الأحادية، مصر من البداية أعلنت موقفها الواضح والذى لم يتغير من بداية العمل فى السد، لسنا ضد التنمية فى إثيوبيا، مع عدم الإضرار بحقنا فى مياه النيل، والذى ترسخ عبر آلاف السنين، والدليل على نية مصر أنها تعاونت فى إقامة سدود، وتنظيم الرى فى دول أفريقية، ولم تتأخر عن أى عمل مشترك يخدم مصالح الأطراف المختلفة.
وترى مصر أن العمل المشترك يصب فى مصالح الجميع، على عكس التصرفات الفردية، ولهذا اعتبرت مصر على لسان وزير الخارجية سامح شكرى، أن إصرار إثيوبيا على الملء الثانى للسد دون اتفاق يخالف قواعد القانون الدولى، «شكرى» أكد ذلك أمام الدورة غير العادية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزارى، والتى تعقد فى الدوحة لبحث قضية سد النهضة، وفيه أطلعت مصر الدول العربية على جهودها وإرادتها الصادقة للتوصل لاتفاق قانونى ملزم يراعى مصالح الدول الثلاث، فى هذه القضية الوجودية بما لها من تأثير على الأمن القومى العربى، لكونها تؤثر على الأمن المائى لمصر والسودان.
«شكرى» أكد أن مصر لا تهدف من وراء إطلاع العرب على الموقف، أن تشكل جبهة أو تصنع اصطفافا ضد دولة أفريقية شقيقة، لكن هذا السياق يتعلق بالتكاتف العربى، وتنسيق الجهود بما يسهل التعاون.
وترى مصر أنه ليس من المقبول الاستمرار فى التفاوض إلى ما لا نهاية، خاصة أن التفاوض سبق وتوصل إلى خطوات واتفاقات سرعان ما تجاهلها الجانب الإثيوبى، أو حاول تفريغها من مضامينها، والتصرف بأحادية، وتعلن مصر أنها لا تقبل المزيد من المراوغة مع تمسكها بأقصى درجات الصبر والتعاون والمشاركة.
وقد أظهرت مصر مواقفها المتعاونة، من خلال مشروعات للتعاون والتنسيق مع الدول الأفريقية المختلفة، وهو ما يؤكد أن مصر ليست ضد التنمية والتقدم فى الدول الأفريقية، لكنها ضد أن تؤثر التنمية فى دولة على مصالح الدول الأخرى.
مصر أبلغت الدول العربية بتفاصيل الملف، وقدمت ملفا كاملا إلى مجلس الأمن، بما يعنى أنها تتمسك بسياقات التفاوض والوصول إلى اتفاق ملزم فى زمن محدد، وألا يستمر التفاوض بلا نهاية.
مصر أبدت من البداية صبرا ومرونة وقدمت حسن النية طوال سنوات، وتتجه الآن إلى الحسم، مع التأكيد على أنها تمتلك خيارات متعددة، لكنها تحرص أولا على حسن العلاقات مع الدول الأفريقية ودول حوض النيل، ثم أنها تحرص على ألا يتطور الوضع إلى ما يمكن أن يهدد الأمن والسلم الإقليمى والدولى، وهو خيار يفترض أن تسعى كل الأطراف لتجنبه.