كل من يتابع التحرك العربى المشترك خلال الفترة الحالية، يرى بوضوح حالة من الحراك النشط نحو استعادة موقف عربى تجاه القضايا الإقليمية والدولية، بعد سنوات شهدت فيها الدول العربية والمنطقة تحولات سياسية وأمنية واقتصادية، خفضت من القدرة على التنسيق والتعاون العربى.
اليوم هناك مؤشرات على نتائج إيجابية فى العمل العربى المشترك، واستعادة لقوة العلاقات الثنائية والجماعية، ظهرت فى أكثر من فعالية.
وتبدو هذه النتائج تحقيقا لرؤية الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسى، والتى طرحتها على مدى السنوات السبع الماضية، وتستند على رؤية ثابتة، تتعلق بالمشاركة والحوار، وتحييد التدخلات الخارجية، ودعم الدول الوطنية، والتدخل لإزالة أى التباسات أو سوء فهم، وهى سياسة نجحت فى امتصاص الكثير من التوتر فى العديد من الملفات.
وتمسكت مصر ودول عربية كبرى بهذا طوال سنوات القلق الماضية، لتثمر هذه الرؤية ما نراه الآن من تصفية للكثير من السحب فى الأجواء العربية.
انعكس ذلك فى شكل وحجم ومستوى اللقاءات، وأيضا فى مضمون الموضوعات والحوارات التى تعكس الرغبة فى إعادة قوة التأثير العربى والفعل فى الأزمات الإقليمية، التى مثلت ضغطا داخليا وإقليميا، استنزف الاقتصادات، وأضعف من قوة المواقف العربية فى القضايا المشتركة، وما تواجهه الدول العربية والإقليم من ضغوط متعددة.
شكلا، ظلت الفعاليات والمؤتمرات الدورية فى الجامعة العربية تعقد بانتظام، لكنها بقيت مجرد فعل شكلى يفتقد إلى التأثير، لأسباب معروفة تتعلق بتقاطعات وتداخلات غير مرغوبة كانت تؤثر على وحدة الموقف، لكن الأسابيع الأخيرة شهدت ثمارا للرؤية والجهود المصرية والعربية، وشكلا ومضمونا جديدا للعلاقات العربية ومساعى أكثر عمقا، تضمنت حوارات ومصارحات ومناقشات لتقليل التوتر ودعم التعاون والمشاركة، ظهرت هذه التفاصيل فى زيارة وزير الخارجية سامح شكرى، للدوحة، والرسائل المتبادلة بين القاهرة والدوحة، تأكيدا لتصفية الأجواء بشكل كبير.
ظهر هذا الاجتماع التشاورى لوزراء الخارجية العرب الذى عقد بدعوة من قطر رئيس الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية، والدورة غير العادية للمجلس على المستوى الوزارى، لبحث تطورات قضية سد النهضة، بناء على طلب مصر والسودان، والاجتماع الأول للجنة فلسطين، الاجتماعات شهدت نقاشات ومواقف تشير إلى موقف عربى أقوى مما كان قبل عام، من حيث الاقتراب والتداول فى الموضوعات، وإظهار التضامن العربى مع الموقف المصرى والسودانى، فضلا عن تغيير فى معالجات الإعلام، بما يشير إلى تغيير إيجابى فى طريقة التعامل.
نفس الأمر ظهر باجتماعات مجلس وزراء الإعلام العرب فى الجامعة العربية، بحضور قيادات ومسؤولى الإعلام العربى، والذى شهد نقاشات موسعة حول الإعلام العربى ودوره فى التعامل مع القضايا السياسية، وأيضا كيفية تعامل الإعلام مع الموضوعات والقضايا، وأهمية معالجة الإعلام فى ظل ثورة معلوماتية ودور واسع لأدوات التواصل الاجتماعى.
وعلى مدى يومين شاركت مع زملاء صحفيين وإعلاميين فى لقاءات مع مسؤولين إعلاميين عرب، منها لقاء نظمه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام برئاسة الأستاذ كرم جبر، مع الدكتور ماجد عبدالله القصبى وزير التجارة والاستثمار ووزير الإعلام السعودى المكلف، والسفير السعودى لدى مصر أسامة نقلى، بحضور المهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وحسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، وعدد من الزملاء الإعلاميين ورؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف المختلفة، وكان اللقاء مناسبة لتبادل وجهات النظر حول القضايا الإعلامية فى ظل التحولات العربية والعالمية الحالية.
وتناولت المناقشات موضوعات متعددة، وأحاديث عن تعاون إعلامى وثقافى مشترك، لصالح ترسيخ علاقات طيبة وتدعيم الإعلام المهنى فى البلدين وكيفية تناول القضايا العربية بالشكل الذى يدعم العلاقات ويستبعد عناصر التوتر.
رئيس المجلس الأعلى للإعلام أشار إلى ضرورة ترسيخ العلاقات الطيبة بين مصر والأشقاء العرب، والعمل على وحدة الصف وإبراز الجوانب الإيجابية والابتعاد عن أسباب الخلاف، وأن يمد الإعلام جسور التشاور والتواصل والحوار بما يخدم المصالح المشتركة ومساندة القضايا العربية والإسلامية، وعبر الدكتور ماجد عبدالله القصبى وزير الإعلام والتجارة السعودى، عن مصر بشكل طيب، مؤكدا أن لها مكانة خاصة عند السعوديين، وخصوصا الشباب، ودور المعلمين والمثقفين والثقافة المصرية فى الوجدان السعودى، والعربى، واصفا مصر بأنها السد الاحترازى للوطن العربى، وأبدى رغبته فى فتح مجالات التعاون المشترك بين وسائل الإعلام فى الدولتين.
وفى اليوم التالى كان هناك لقاء ودى بين الإعلاميين والصحفيين المصريين ووزير الإعلام والثقافة والدولة لشؤون الشباب بدولة الكويت عبدالرحمن المطيرى، الذى يزور مصر على رأس وفد كبير للمشاركة فى اجتماعات مجلس وزراء الإعلام العرب، وتناول اللقاء التحديات التى يواجهها الإعلام العربى، فى ظل اتساع أدوات التواصل والنشر الإلكترونى، وتأثيرات ذلك على إثارة المشكلات وتسميم العلاقات، أو عدم القدرة على معالجة القضايا الإقليمية والدولية.
كانت مناسبة لحوار واسع حول تطورات الصحافة والإعلام، وما تواجهه من تحديات وكيفية تطويرها مهنيا وموضوعيا، حتى تقوم بدورها فى ظل سيولة معلوماتية تحيط بالنشر والإعلام، مع الاتفاق على دور الإعلام فى دعم التعاون بين الشعوب العربية ودعم القضايا السياسية والحقوق العربية.
كل هذه الإشارات الإيجابية تضاعف من حجم الثقة، التى تتطلبها المرحلة الراهنة فى باقى الملفات، وهى ثقة لا تنشأ من فراغ، وإنما من نتائج تحققت بالفعل، أو فى سبيلها للتحقق، وعربيا تدفع القاهرة إلى بناء موقف عربى قادر على الفعل، فى ظل وضع دولى يتسم بالتقاطعات، وتنشغل الدول الكبرى بنفسها، والتنافس الاقتصادى والتجارى، وهو ما يحتم بناء موقف عربى قوى يمتلك القدرة على الفعل.