خرجت من مصر صغيرة، لتصبح بين ليلة وضحاها، حديث وسائل الإعلام الغربى، كأفضل مستشارة لإدارة الثروات فى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد رحلة طويلة من المعاناة، ترويها لـ«انفراد»، فى حديث خاص من القلب، إنها المستشارة المصرية، ليلى بنس، بنت السويس- على حد وصفها- والتى تصدرت صفحات مجلة «فوربس الأمريكية»، وحصولها على المركز الأول، كأفضل مستشار مالى.. وإلى نص الحوار:
المستشارة ليلى بنس لماذا اخترت الولايات المتحدة الأمريكية لتكون وجهتك للهجرة من مصر؟
أنا بنت محافظة السويس، وكنت أعيش مع أسرتى فى منزلنا بحى بورتوفيق، العريق، لكن تسببت حرب 1967 فى تهدم المنزل، بسبب سقوط إحدى القنابل الإسرائيلية عليه، ونجونا بأعجوبة، واضطرت أسرتى إلى الهجرة من مدينة السويس، إلى القاهرة، مثل باقى الأسر الأخرى التى تم تهجيرها من مدن القناة الثلاث بسبب الحرب واحتلال قناة السويس، وكانت فترة عصيبة.
وبعد فترة قصيرة من هجرتنا إلى العاصمة، توفرت أمام والدى فرصة للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، للعمل هناك، خاصة أنه كان مديرا لأحد البنوك الوطنية المصرية، فهاجرت مع أسرتى وكان عمرى وقتها 12 عاما، ومن هناك بدأت حياتى العلمية والعملية، وذاكرت كثيرا، وكافحت كأى فتاة أو سيدة مصرية فى المهجر، لأصل لما أنا عليه اليوم.
هل واجهتك أى صعوبات خلال سنوات الهجرة؟
بالتأكيد كانت هناك صعوبات كثيرة، فى بداية سنوات الهجرة، خاصة اختلاف المناخ والعادات والتقاليد، لكن ساعدنى كثيرا، أنى كنت أدرس فى مدرسة الآباء الفرنسيسكان، أثناء إقامتى مع أسرتى بمحافظة السويس، فقد كانت الدراسة بها باللغة الفرنسية، فوجدت صعوبة فى التحدث باللغة الإنجليزية لأنى لم أدرسها ولا أتحدث بها، خاصة أن سنى كان وقتها 12 سنة، خاصة أنه فى بداية الهجرة إلى أمريكا، سافرت أنا وأمى فقط، على أن يلتحق بنا والدى.
خلال زيارتك الحالية لمصر.. هل خططت لزيارة مدينة السويس ومدرستك القديمة؟
فى الحقيقة كنت أتمنى بشدة، زيارة السويس، وأيضا مدينة الإسماعيلية، لأن عائلة أمى فى الأساس منها، إلا أن ضيق الوقت يمنعنى، ورغم ذلك أتابع أخبار السويس، جيدا، خاصة أن شقيقتى أخبرتنى أنه تم بناء عمارة سكنية أخرى، مكان منزلنا الذى تهدم فى حرب السويس، أيضا ابنتى تريد رؤية كل ذكرياتى التى أحكيها لها.
رحلة طويلة من الكفاح فى الغربة حتى حصلت على لقب أفضل مستشارة لإدارة الثروات فى الولايات المتحدة الأمريكية وتصدرت قائمة فوربس.. كيف كانت تلك الرحلة؟
فى بداية سنوات الغربة لم أكن أحلم أن يتكلل كل هذا الجهد بالنجاح، لكنى كافحت وذاكرت كثيرا، وواجهت صعوبات أكثر، إلا أنها كانت بالنسبة لى دافعا كبيرا لتحقيق النجاح، كذلك كنت حريصة على اختيار فريق العمل المعاون لى من الكفاءات المتميزة، وقمت بتكوين فريق عمل قوى، ثم تزوجت فى أمريكا من درايدن بنس، وهو رجل أمريكى الجنسية، وشاطر جدا ومكافح، وكان داعما لى بشكل كبير للغاية، والحمد لله ربنا بارك ووفقنا وكان لازم أرد الجميل وأفكر أساعد بلدى.
آخر زيارة لك كانت منذ 3 سنوات.. ما سبب زيارتك الآن؟
فى الحقيقة حاولت إجراء هذه الرحلة منذ 3 سنوات، لزيارة عائلتى والاطمئنان عليهم، خاصة أن ابنتى لم تزر مصر، منذ 15 عاما، عندما كانت فى سن الـ3، ولشدة انشغالى لم نستطع المجىء، كذلك منعنا «كوفيد-19» من السفر، واضطررنا تأجيل الزيارة 3 مرات.
إلا أن هذه المرة أصررنا على إتمام السفر، وكنت سعيدة جدا بالرحلة، وفرحت باستقبال حوالى 40 شخصا لى بالمطار، فى وقت متأخر من الليل، وهو شعور إنسانى ودافئ أسعدنى للغاية، ولا يمكن الشعور به إلا فى مصر.
رغم سنوات الهجرة الطويلة لم تتأثر لغتك العربية كثيرا وما زالت مفرداتك المصرية كما هى.. ما السبب؟
أمى كانت دائمة التحدث معى باللغة العربية، كذلك بعض أقاربى معنا هناك فى أمريكا، وهو ما ساعدنى على الاحتفاظ بلغتى الأم.
هل تتابعين الدراما والسينما المصرية؟
من زمان وأمى كانت حريصة على مشاهدة الأفلام المصرية، وتحب إسماعيل ياسين جدا، لكن الأهم كانت ابنتى التى أحبت اللغة العربية وتتحدث بها بشكل جيد، وفى خلال فترة الحظر بسبب «كوفيد- 19»، كانت الفرصة جيدة لمشاهدة ومتابعة الأفلام المصرية عبر منصات المشاهدة الأمريكية، والتى عرضت منها الكثير، فتابعتها أنا وزوجى وابنتى.
ماذا عن حبك للفنان أحمد حلمى؟
لم أكن أعرف الفنان أحمد حلمى فى السابق، لكن كما ذكرت أن فترة الحظر كانت مناسبة لمشاهدة الأعمال الفنية المصرية، فشاهدت أفلاما سينمائية للفنان أحمد حلمى، وأحببته جدا، لأن دمه خفيف مثل باقى المصريين، كمان بنتى بتحبه جدا ومعجبة به، وشاهدت معها أفلام عسل أسود، جاكى شان.. إلخ، ونفسنا نقابله ونشوفه.
كانت لك زيارة إلى مصر منذ 3 سنوات شاركت خلالها فى مؤتمر «مصر تستطيع بالتاء المربوطة».. ما الفرق بين الزيارتين؟
بالفعل شاركت منذ 3 سنوات فى مؤتمر «مصر نستطيع بالتاء المربوطة»، الذى كانت تنظمه وزيرة الهجرة وشؤون المصريين فى الخارج، بدعوة من السفيرة نبيلة مكرم، منذ 3 سنوات تقريبا، وكانت لمدة استغرقت 8 أيام فقط، لاحظت تغيرا كبيرا فى مختلف أوجه الحياة، إلا أنه فى هذه الزيارة الأخيرة شعرت بتغيير كبير جدا فى مصر، وكأنه مر على زيارتى 10 سنوات، فحجم الإنجازات كان ضخما للغاية.
وأقول «البلد اتغيرت خالص»، فلاحظت إنشاءات جديدة ومولات تجارية كبيرة وشوارع واسعة ومبانى ضخمة ومجمعات سكنية رائعة، مثل أمريكا تماما، كما أنه خلال دعوتى لزيارة البورصة المصرية فى القرية الذكية، شعرت وقتها أننى فى كاليفورنيا، حتى أن زوجى لاحظ ذلك وكان منبهرا جدا، وسألنى «هو إحنا فى أمريكا ولا مصر؟».
أيضا لاحظت الاهتمام الكبير بالدعاية فى أغلب الطرق والشوارع، للإعلان عن المجتمعات السكنية الجديدة، وكيفية شرائها بالتقسيط من خلال البنوك، وهذا لم يكن موجودا فى السابق، فإذا لم يكن معك فلوس «كاش»، كان من الصعب شراء شقة أو أى شىء، لكن التعاملات الائتمانية الآن سهلت أمورا كثيرة جدا، والعروض رائعة.
هناك ترويج بأن مصر ليس بها أمن وأمان وهذا من أسباب تعطل السياحة إلى مصر.. هل لاحظت غياب الأمن عن الشارع المصرى أثناء هذه الزيارة؟
بالعكس تماما، لاحظت فرقا كبيرا جدا بالتواجد الأمنى فى كل الشوارع، ولم اتعرض لأى مضايقات إطلاقا، على عكس ما كان فى سنوات سابقة، خاصة عند زيارتى لمنطقة الأهرامات التى كانت بها بعض المضايقات للسائحين، لكن هذه المرة كانت الرحلة إلى الأهرامات رائعة، وهناك تكثيف أمنى، منع المضايقات وقضى عليها، ولم أشعر إطلاقا إلا بالأمان.
وأود توضيح، أن هناك الكثير من أصدقائى لديهم الرغبة فى زيارة مصر، وعمل جولات سياحية إلى كل معالمها السياحية، خاصة الأهرامات، وأقول: «دلوقتى الواحد يقدر يقولهم تعالوا بقلب.. غير زمان خالص»، حتى أننى بمجرد أن نشرت صورتى فى الأهرامات عبر صفحتى على موقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك، أصدقائى انبهروا جدا وقالوا: «هذا حلمنا.. دى حاجة فى قائمة الأشياء التى نتمنى تحقيقها قبل أن نموت».
وأعتقد أنه بمجرد السماح بالسفر السياحى خارج أمريكا، أو بالانتهاء من النسبة المطلوبة بالأشخاص محصنين باللقاح ضد «كوفيد- 19»، سيزورون مصر، وأتوقع أنه بحلول العام المقبل 2022، ستأتى أعداد سياحية ضخمة إلى مصر، خاصة أن عرض المومياوات الملكية كان له تأثير كبير على الأمريكان، لشغفهم بالحضارة المصرية القديمة، فقد كنت فى غاية الفخر أثناء متابعتى للعرض وسط أصدقائى الأجانب.
هل قمت بزيارة متحف الحضارات؟
حرصت منذ وصولى إلى مصر، على زيارة متحف الحضارات، لأشاهد المومياوات عن قرب وعلى الطبيعة، وكنت منبهرة للغاية، ورغم أن السينما الأمريكية صورت أفلاما كثيرة عن المومياوات المصرية القديمة، وبإنتاج ضخم، فإن مشاهدتها على الطبيعة لها مذاق خاص، والأغرب أن هذه المومياوات كانت تحتفظ بأدق التفاصيل، فأجساد الملكات احتفظت بطلاء الأظافر وتسريحة الشعر، كان الأمر مختلفا جدا، وكنا قبل ذلك نشاهد المومياوات «ملفوفة داخل قماش»، إلا أن مشاهدة الأجساد على الطبيعة كان شيئا مذهلا.
وأود توضيح، أنى زرت جميع دول أوروبا، والصين، لكنى دائما أقول بإن مصر، هى أم الحضارات، ولا مثيل لها، والعام المقبل أعدكم أنكم لن تستطيعوا السير فى الشوارع من كثرة عدد السائحين، بمجرد رفع الحظر عن السفر، فهناك ما يسمى بـ«الطلب المكبوت»، والأمريكان الآن لديهم هذا الشعور، خاصة أن الحكومة الأمريكية، صرفت أموالا كثيرة للشعب الأمريكى خلال فترة «كوفيد- 19»، لتعويضهم عن الحظر، فأصبحت معهم أموال كثيرة بنسبة 4 أضعاف ما كان لديهم من أموال، لذا هم ينتظرون السماح لهم بالسياحة والخروج والسفر، لأنهم فى حبس استمر عاما ونصف العام، وستكون وجهتهم الأولى للسياحة هى مصر.
هذه المرة الثانية لك بمصر بشكل رسمى وبدعوة من السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة وشؤون المصريين فى الخارج.. ممكن نتعرف على تفاصيل الزيارة ولقائك معها؟
التقيت فى بداية الزيارة بالسفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين فى الخارج، لبحث ترتيبات فعالية إطلاق حملة تبرعات للمصريين بالولايات المتحدة الأمريكية، للمساهمة فى توفير تبرعات لصالح مبادرة «حياة كريمة»، المعنية بالفئات الأكثر احتياجا، وتطوير الريف المصرى، وتنمية المحافظات الأكبر تصديرا للهجرة غير الشرعية.
ما الذى تم الاتفاق عليه خلال لقائك مع وزيرة الهجرة وأيضا مؤسسة «حياة كريمة».. وكيف ستقدمين المساعدة للمبادرة؟
أود الإشادة بالمبادرات التى أطلقتها وزيرة الهجرة، ومن ضمنها مبادرة «ست بـ100 راجل»، فمن خلال هذه المبادرة استطاعت التواصل مع سيدات مصريات كثيرات فى الخارج، لديهن رغبة قوية فى مساعدة بلدهن مصر، ومن خلال التعاون الذى جرى مؤخرا مع وزارة الهجرة ومؤسسة «حياة كريمة»، سأعمل على تقديم المساعدة إلى القرى الأكثر احتياجا، وإطلاق حملة للمصريين بالولايات المتحدة الأمريكية، للمساهمة فى توفير حياة كريمة للفئات الأكثر احتياجًا.
كما أنه سيكون لى لقاء آخر مع السفيرة نبيلة مكرم، ومؤسسة حياة كريمة لبحث الترتيبات، خاصة أن كل المصريين بالخارج، لديهم حنين إلى الوطن، ورغبة قوية فى مساعدة بلدهم وأهلهم فى مصر، ومن هنا سيأتى دورى بتعريفهم بالمبادرة فى الخارج، وكيفية المشاركة فيها.
وأود توضيح، أننى بصدد إنشاء مؤسسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، لجمع التبرعات لصالح مبادرة «حياة كريمة» من المصريين المقيمين فى أمريكا، خاصة أن مجال عملى يتركز على إدارة الثروات ومساعدة الأشخاص على دفع ضرائب قليلة بشكل قانونى، خاصة أن الضرائب هناك باهظة للغاية، إلا أن تقديم التبرعات والمساعدات، هى إحدى القنوات الشرعية لتقليل الضرائب على الأفراد والشركات.
وبمجرد جمع تلك التبرعات من المصريين فى الولايات المتحدة الأمريكية، ستعمل المؤسسة الجديدة، على توفير المساعدات اللوجستية لمبادرة «حياة كريمة»، خاصة أنه لن يتم تحويل تلك التبرعات فى صورة أموال سائلة، بينما ستكون على شكل مستلزمات تطوير القرى والمحافظات ضمن المبادرة.
فى ختام لقائنا مع المستشارة ليلى بنس.. ماذا تحبين أن تقولى لمصر وماذا تتمنين؟
أنا بحب مصر جدا، وبحلم إنها تكبر أكبر وأكبر وتبقى «أد الدنيا».. وأتمنى أن تعود السياحة إليها مرة أخرى كما كانت، وأقول فى النهاية: «تحيا مصر».