رضا البهات فى حوار لـ"انفراد": أنظر للدين من زاوية "إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها" والإسلام السياسى صناعة غربية.. انتهيت من روايتين وسيرتى لا يوجد بها من الدراما ما يمكن أن تصنع رواية

يعيش الكاتب الكبير رضا البهات فى مدينة المنصورة، جرّب العيش فى القاهرة فى شبابه لكنه سرعان ما سئم الزحام والضوضاء والشللية الثقافية، فقرر أن يكتب لنفسه، هناك إلى جوار "دار ابن الأرقم"، فاتسم مشروعه الأدبى بالخصوصية، ورضا البهات من مواليد عام 1955، طبيب مارس عمله إلى جانب كتابة الرواية، فأنتج "رائحة اليوسفى 1992، شمعة البحر2004، ساعة رملية تعمل بالكهرباء 2014) وله مجموعات قصصية، وكتابات للأطفال، حصل على جائزة ساويرس للعام 2016، عن رواية "ساعة رملية.. تعمل بالكهرباء"، كما حصل على الجائزة نفسها فى القصة القصيرة عن مجموعته "حكايات شتوية". وقد التقى انفراد الأديب الكبير فى المنصورة وأدار معه الحوار التالى: ​رضا البهات.. ماذا عن البدايات؟ النشأة الأولى كانت كشاعر، ثم خرجت من الشعر للرواية، وذلك بعد أن انتهيت من دراسة الطب، وكانت أول رواية أصدرتها فى سن 36 سنة، وذلك على خلاف العادة التى تقضى فى الغالب بأن تسبق القصة القصيرة كتابة الرواية، وجاءت ردود الأفعال قوية، فقال الدكتور شكرى عياد عنى "هذه ليست أول مرة يكتب"، والحقيقة أننى كنت قبل ذلك أكتب المقالات وأحيانا القصة، لكن ليس على مستوى كمى، يجعلنى أصدر مجموعة صالحة للنشر. عدد كبير من الأدباء أطباء، أنت وعبد الحليم قنديل ويوسف إدريس وغيرهم، فى رأيك هل هناك ارتباط بين هذه المهنة والكتابة الإبداعية؟ أظن أن هناك ارتباطا، أعتقد أن الجانب الإنسانى فى هذه المهنة هو الذى يوقظ ملكة الكتابة عند الإنسان وينميها، فأمام الطبيب تذوب الفوارق الطبقية والاجتماعية، فلا يقف أمامك إلا جسد متألم، فقيرا كان أو غنيا، كبيرا أو صغيرا، رجلا أو امرأة، يتعرى الإنسان من غروره ويظهر ضعفه، ولا يتحرر مما يكره من ألم إلا بما يكره من علاج، هذه المفارقات تثير التأمل وتحفز على التفكير، فحقيقة الحياة تنكشف واضحة أمام الطبيب، فإذا كان يحمل حسا مرهفا واتجاها إصلاحية فبالتأكيد ستحصل على كاتب ومفكر. بمناسبة يوسف إدريس.. كانت لك علاقة به، وكانت له عبارة غامضة قالها فيك، هى: أنك تكتب كما لو كانت هذه الكتابة هى الأخيرة لك!.. ما الذى تعنيه هذه العبارة؟ أنا رأيت يوسف إدريس أول مرة فى الأهرام، وكنت خاطب زوجتى السابقة، وبعدها ترددنا عليه أكثر من مرة، أما بالنسبة لهذه العبارة فأنا لا أدرى معناها، ولم أسأله عنها، الأمر متروك للنقاد وقراء الأدب، كل يفسرها على الشكل الذى يريده. بشائر اليوسفى من جزأين، الثانى "المبدلون" قصصت فيه تجربة زيارة فاشلة للقاهرة، لكون البطل لم يستطع التكيف مع قسوة هذه المدينة، هل هذه "تجربة شخصية" فى ضوء اقترابك الحذر من هذه المدينة ثم اقتناعك بالعزلة فى إقليمك البعيد؟ أنا نزلت القاهرة كثيرا وكانت لى عيادة فيها يومى الثلاثاء والجمعة، وتعرفت إلى عبده جبير وغيره من الأدباء والأسماء الكبيرة، وعندما كنت فى فترة التجنيد سكنت فى غمرة وكانت عيادتى هناك، لكن تخليت عنها، فهى مدينة صاخبة ومزدحمة ومشاكلها متفجرة، حتى أننى سألت إبراهيم عيسى مرة هل القاهرة كدا على طول؟.. فرد قائلا: سؤال غريب. لكن هل لو عاد بك الزمن مرة أخرى كنت ستستأنف على قرار الانعزال بعيدا عن العاصمة، بمعنى أن ذلك أثر عليك كمبدع فلم تأخذ حقك فى ردود الأفعال النقدية؟ لا.. أبدا.. وبالمناسبة، أنا نشأتى قاهرية وظللت بها حتى سن 15 أو 16 سنة، فقد كان أبى يعمل فى الجيش وخرج من الخدمة سنة 1970، ولكن بعد تركى للقاهرة تركتها، لأن زخم الندوات والصالونات والأضواء والحياة الثقافية، يعتمد على العلاقات والشللية أكثر مما يعتمد على الموهبة والتفاعل، وأكثر من مرة دعانى وحيد الطويلة صديقى العزيز وسعيد الكفراوى لهذه الفاعليات ورفضت، أما بالنسبة لضعف التناول النقدى لأعمالى فهذه أزمة عامة لا تقتصر علىّ وحدى، فالنقد يعانى من عدم قدرته على ملاحقة الجديد لأسباب عدة. أنت ترى ـ إذن ـ أن النقد يواجه أزمة؟ طبعا.. النقد يعانى ـ فى شق كبير منه ـ من أزماته التقليدية المستعصية والمستمرة، ومنها: الشللية، والمجاملة، والسطحية، والاستناد للمناهج الغربية واستخدام مصطلحات مغلقة على الفهم، وبالمناسبة فهذه الروح الغربية التغريبية لا تقتصر على المثقفين فقط. فزت مرتين بجائزة نجيب ساويرس فى القصة والرواية، كيف ترى حال الجوائز الأدبية فى مصر، والعالم العربى؟ جوائز العالم العربى بعيدة عنى لأنى أكتب بالعامية والفصحى، وهم لا يقبلون ذلك، وهذا لا يهمنى، ما يهمنى أكثر هو أن أعبر عن نفسى، وعلى العموم الجوائز ليست دافعا للكتابة، هى تسعدك إذا كانت تحمل لك مبلغا معتبرا من المال، أما الاعتراف بالكاتب وتحقيقه، من خلال صك الجائزة فأظن أن الوضع فى هذا الجانب ليس مثاليا، فعدد من المواهب الحقيقة تضيع فى زحام التنافس غير العادل على هذه الجوائز، خصوصا المواهب الشابة والجديدة التى قليلا ما تنتصر لها المنابر الإعلامية المؤثرة. انتقدت فى ساعة رملية تعمل بالكهرباء نوعا من الكتاب قادر على كتابة 3 روايات فى ذات الوقت، السؤال هنا: على من تقع مسئولية انتشار هذا النوع من الكُتاب؟.. أنت كمثقف ألست مسئولا؟.. ألم يكن فى مقدورك أن تتخلص من عزلتك لتدخل معترك الحياة الثقافية لإقصاء هؤلاء وفضحهم، خاصة أنه قد كان لك منبر إعلامى عبر شغلك منصب المسئول عن القسم الثقافى بإحدى الصحف؟ هذا النوع من الكتاب موجود بكثافة للأسف، والواقع الشائه أكبر من أن يقاوم، فكما أن هناك أزمة فى النقد هناك أيضا أزمة فى الكتابة، فالسطحية والفجاجة والخلو من المضمون الجاد الجدير بالتناول يصيب الثقافة المصرية بالترهل الناتج عن كم كبير من الإصدارات التى لا تجد فى معظمها ما هو صالح لتحريكك من الداخل، فضلا عن إضاءة وعيك. ألا تفكر فى كتابة سيرتك الذاتية فى رواية؟ على الأقل تقدم شهادة حية لحامل الهم العام الذى أمضى عمره يعيش المفارقة بين الواقع والمأمول؟ سيرتى الذاتية لا يوجد فيها دراما يمكن أن تصنع رواية، رفض نجيب محفوظ هذا الطرح قبلا، وقد دفعت ثمنا لمحاولات الإصلاح التى تتحدث عنها بالاعتقال مرتين، سنة 77 و78، الأمر الذى أمدنى بالقدرة على الكتابة عن أدب السجون، وكان معنا محمود الوردانى، الذى لم ألتقيه حينها، ولكن سمعت عنه والتقيته بعد ذلك. موقفك من الدين موقف فلسفى، ظهر فى روايتك شمع البحر، لقد انتقدت سيطرة الإقطاعيين والانتهازيين الجدد عليه بشخصيتى الشيخ جلال والشيخ الباز، برأيك كيف يمكن الخلاص من هذا الوضع؟ الدين عندى هو حديث "إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها" وللأسف التشدد الدينى الكاسح من بداية السبعينات غيّر كثيرا من خصائص المجتمع المصرى وأفقده عددا من سماته التاريخية الهامة التى كان من أبرزها الوسطية والاعتدال، فما والنقاب والثياب القصيرة وغيرها من المظاهر إلا تفريغ للدين من مضمونه، وكان هذا طلب الغرب، فالغرب له مصلحة فى كبح تقدم مجتمعاتنا بما بات يُعرف بالإسلام السياسى، وهو الذى قدم الدعم للمتشددين تحت ستار مقاومة الشيوعية فى العالم بدءا من أفغانستان، وفى النهاية عاد هؤلاء لأوطانهم ليحدثوا فيها تشققات داخلية كبيرة. وما الحل فى رأيك؟ الحل فى تجديد الخطاب الدينى وتعرية هؤلاء الجهلاء والأدعياء، وهذا واجب مؤسسة الأزهر الشريف؛ لأنه المؤسسة الوحيدة التى تنازع هؤلاء باسم الإسلام ولها من الاعتبار والثقل ما يمكن أن يظهرها عليهم، الأزهر منوط به كشف زيف وكذب وعمالة أدعياء الإسلام السياسى.. صدقنى الواقع قابل للعلاج لكن يحتاج إلى إرادة وصدق وخطة مبنية على دراسة. عوالم أعمالك متنوعة، الحرب فى الجزء الأول من بشائر اليوسفى والقاهرة القاسية فى الجزء الثانى منها، والريف فى شمعة بحر والصحافة والثقافة فى ساعة رملية تعمل بالكهرباء، هل عشت كل هذه التجارب أم أنك تكتب رواية غيرية؟ أنا لم أشترك فى حرب 73، لكننى سمعت من أبى، ولى من الأقارب من فُقد فيها، وكنت واعيا وقتها، أما الريف فقد خدمت فيه بالفعل، كما توليت مسئولية القسم الثقافى بإحدى الجرائد، لكن تقسيم الكتابة لذاتية وغيرية أمر غير دقيق، فالكاتب الحقيقى لا يتحكم فى المسارات التى تتجه إليها أعماله، أنت فقط تشعر بالرغبة فى الكتابة تحت إطار عام لصورة جاذبة، ثم تترك نفسك بعد ذلك لهذا المولود الجديد، فهو أكثر وعيا منك، وهو يدهشك، وبصفة عامة فالواقعية لا تعنى أن تكون كل أعمالك ذاتية أو غيرية، ولا تعنى أن تبتعد عن الخيال بشكل مطلق، الواقعية ـ فى رأيى ـ هى أن تلد ما بداخلك، وهذا المولود هو نتيجة عوامل أكثر تعددا وتعقيدا من هذا وذاك. لمن تكتب؟ بصراحة لا أعرف إجابة عن هذا السؤال، قد أكون ممارسا للكتابة من باب التعبير عما بداخلى بغض النظر عن أى شىء آخر، أنا أكتب لنفسى فقط، وأنا حريص على إهداء 20 نسخة لأصدقائى لاستطلاع رأيهم فيما أكتبه وأنا أثق فى ذائقتهم الأدبية. ما جديد رضا البهات؟ انتهيت من روايتين، هما نوفيلا، وكلمت إبراهيم عبد المجيد استشيره فى نشرهما، وكان قد دعانى من سنة أو أكثر عندما فزت بجائزة ساويرس، وقال: أنا مش قادر أتحرك، فتعالالى، والرواية الثانية تتماس مع سيرتى الذاتية فى بداياتى نوعا ما، فهى عن طبيب انتقل للعمل فى الريف ليرى أحوال البلد من خلال هؤلاء البسطاء.






الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;