خرج النائب العام المستشار هشام بركات، من منزله متوجها إلى عمله، وعقب خروجه وفى أحد الشوارع المتفرعة من شارع «عمار بن ياسر» بمصر الجديدة، وفى الساعة العاشرة صباح 29 يونيو، مثل هذا اليوم، 2015، انفجرت عبوة كانت مزروعة بإحدى السيارات، حسبما تذكر «الأهرام» يوم 30 يونيو 2015، وأسفر الانفجار عن إصابة النائب العام بإصابات مختلفة، نقل على أثرها إلى المستشفى، وفشلت كل محاولات إنقاذه ليفارق الحياة بعد أقل من عامين من شغل منصبه، حيث تولاه يوم 10 يوليو 2013، بعد أيام قليلة من ثورة 30 يونيو 2013.
فيما ذكرت جريدة «جارديان» البريطانية، أن الجريمة جاءت بعد دعوة فرع تنظيم داعش فى مصر «أنصار بيت المقدس» إلى هجمات على القضاء، وأعادت الجريمة إلى الأذهان جرائم جماعة الإخوان الإرهابية عبر تاريخها التى أسالت فيها دماء أبرياء لمواطنين عاديين، ودماء رموز وقفت لها بالمرصاد كجريمة اغتيالها المستشار أحمد الخازندار الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة يوم 22 مارس 1948، أثناء خروجه من منزله، وحسب «مرتضى المراغى» آخر وزير داخلية قبل ثورة 23 يوليو 1952: «كان الخازندار قاضيا يتميز بالعلم الغزير وبنزاهة لا يرقى إليها الشك، وانعقدت المحكمة برئاسته لمحاكمة جماعة من الإخوان اتهموا بحيازة متفجرات وأسلحة، وكانت القضية عرضت على دائرة أخرى تلقت تهديدات عديدة بالقتل إذا حكمت على المتهمين، وأخذت تؤجل حتى انتهت إلى الدائرة التى يرأسها الخازندار، وطلب محامو المتهمين التأجيل، ولكن الخازندار رفض التأجيل رغم تهديده بالقتل سواء برسائل أم مكالمات هاتفية، وحكم فى القضية بحبس المتهمين مدة طويلة بالأشغال الشاقة، وهنا صدر عليه هو حكم الإعدام من محكمة الإخوان».
هكذا حكمت جماعة الإخوان على المستشار الخازندار بالقتل، لأنه لم يخضع لتهديدها، وكان القضاء هو المستهدف، وهكذا كانت جريمتهم الإرهابية فى قتل المستشار هشام بركات، رسالة إلى «القضاء المصرى» أيضا، خاصة أن «بركات» حتى يوم اغتياله اتخذ قرارات حاسمة فى مواجهة الكيانات الإرهابية، حيث أصدر أمرا قضائيا بفض اعتصامى «رابعة العدوية» و«النهضة»، وقرر التحفظ على أموال جماعة الإخوان الإرهابية وغيرها من الكيانات الإرهابية، وإحالة قيادات الجماعة إلى محكمة الجنايات فى قضية قتل المتظاهرين، وغيرها، وإدراج قيادات الجماعة على قوائم الإرهاب، وإحالة الرئيس المعزول محمد مرسى إلى محكمة الجنايات.
فى يوم 16 مارس 2016، وبعد ثمانية أشهر على الجريمة، أعلن وزير الداخلية اللواء مجدى عبدالغفار، عن القبض على المتهمين، ومع اعترافاتهم التفصيلية فى تحقيقات النيابة عن كيفية وقوع الجريمة تنفيذا وتخطيطا، فإن ما يستوقف فيها هو هذا العناق التاريخى بين الأمس واليوم فى جرائم «الجماعة»، ففى جريمتها باغتيال «الخازندار» عام 1948 أقدمت عليها لأنه لم يلتفت إلى تهديداتها له، وأصر على أن يقوم بواجبه حتى لو دفع حياته ثمنا، وفى عام 2015 أقدمت على جريمتها باغتيال «بركات»، لأنه قام بواجبه ضدها، ويؤكد ذلك ما جاء فى تحقيقات النيابة مع المتهمين، التى أعادت جريدة «الوطن» نشرها يوم «20 فبراير 2019»، سأل وكيل النائب العام المتهم «أبوالقاسم أحمد على» الذى قضت المحكمة بإعدامه: «ما الغرض من ارتكاب ذلك القتل؟، أجاب: «تحقيق القصاص الناجز والعادل لدماء المعتصمين فى رابعة العدوية والنهضة ممن أصدروا قرار فض الاعتصام، وهو النائب العام السابق هشام بركات، بالإضافة إلى الردع لكل من تسول له نفسه إطلاق النار على المتظاهرين، بالإضافة إلى الهدف الأعم لأغراض المجموعات النوعية، فإن قتل النائب العام السابق هشام بركات يشكل قتلا لرمز من رموز الانقلاب الموجود فى مصر وخطوة لإسقاطه».
اعترف «أبوالقاسم» وآخرون، أن التكليف بالعملية كان من الدكتور يحيى موسى الطبيب البشرى والمدرس بكلية طب الأزهر، وعضو مكتب إرشاد الجماعة، والمتحدث باسم وزارة الصحة فى نوفمبر 2012، والهارب حاليا.. قال: «اتفقت مع دكتور يحيى موسى على قتل النائب العام فى يونيو 2015، قبل التنفيذ بنحو أسبوع تقريبا، ومحمدى ويحيى موسى كانوا ناويين على القتل وبيجهزوا له من قبل ما أعرف بفترة طويلة».
سأله وكيل النائب العام: «كيف وافقت على اتفاقهما واعتزامهما ارتكاب جريمة القتل قبل دخولك فى ذلك الاتفاق بفترة؟»، أجاب: «علشان محمدى كان جايب المواد اللازمة للتصنيع، وجايب الرمل اللى هيتم تعبئة عبوة متفجرة به، واللى أنا اشتريتها له قبلها بفترة، وكان بتكليف من دكتور يحيى موسي، فأكيد كان عارف من الأول، وده استنتاجى، ودكتور يحيى موسى أنا متأكد إنه كان عارف وناوى على القتل من ساعة لما كلفنى إنى أساعد محمدى فى اللى بيعمله، وإنى أجيب العربية «الاسبيرنزا» لأنه من وقتها وهو بيقول لى إنها هتستخدم فى تفجير كبير، لكن ما قالش مين اللى مستهدف إلا قبل التنفيذ بحوالى أسبوع تقريبا».