متى سينتهى حكم جماعة الإخوان ومندوبها فى الرئاسة محمد مرسى؟ سؤال فرض نفسه فى كل حدث بعد أسابيع قليلة من فوز محمد مرسى فى انتخابات الرئاسة يوم 24 يونيو عام 2012، حتى تحقق بخروج الملايين فى ميادين وشوارع محافظات مصر يوم 30 يونيو، مثل هذا اليوم 2013 وهم يهتفون ثائرين: «ارحل، ارحل».
وصل المصريون إلى هذا اليوم بإرادة شعبية، بعد أن تأكدوا من الأكذوبة الكبرى التى نصبتها الجماعة وحلفاؤها من الجماعات الإرهابية، وكانت «الجماعة» تقطع الخطى بسرعة كبيرة نحو هذا اليوم، عبر ممارستها التى حاولت تقسيم المصريين فرقا، ومحاولاتها ضرب مؤسسات الدولة من أجل الإسراع بأخونتها، وقرارات مرسى بالإفراج عن الإرهابيين الذين تلوثت أياديهم بدماء الأبرياء، والعفو عن الهاربين منهم فى الخارج وعودتهم إلى مصر، وكان الهدف الرئيسى من وراء ذلك، هو خلق ظهير يساند الجماعة فى مخططاتها الرامية إلى «أخونة مؤسسات الدولة»، وقياس الكفاءة بمعيار الانتماء للجماعة، وليس بشىء آخر.
كانت أولى خطوات الجماعة للوصول إلى هذا الهدف الشيطانى، هو إعلان محمد مرسى يوم 8 يوليو 2012 أى بعد أسبوع من رئاسته إلغاء حكم المحكمة الدستورية، بحل البرلمان وإعادته للعمل، وكان ذلك يعنى أن تصبح السلطتان «التشريعية، والتنفيذية» فى يد الجماعة وحلفائها، حيث كان حزبا «الحرية والعدالة» و«النور السلفي» يسيطران على 70% من مقاعد المجلس، غير أن المحكمة قضت فى اليوم التالى بوقف قراره، وأمرت بتنفيذ حكمها القاضى ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب، وبالتالى حل المجلس واعتباره غير قائم بموجب القانون، وفى يوم 22 سبتمبر 2012 أيدت المحكمة الإدارية العليا قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس.
كان من اللافت وقتئذ أن «مرسى» أعلن هذا القرار بعد لقاء بينه وبين وليام بيرنز، نائب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون، واجتماع لمجلس شورى جماعة الاخوان، حسبما ذكرت الصحف المصرية فى اليوم التالى لصدور هذا القرار، ما أكد أن القرارات تتم صياغتها ومناقشتها فى مكتب الإرشاد، وتأخذ المباركة من الإدارة الأمريكية التى كانت تراهن على «الجماعة» فى تنفيذ مخططها الخاص بالمنطقة.
عبرت هذه الخطوة عن مخطط الجماعة، ومندوبها «مرسى» فى الصدام مع مؤسسات الدولة، الأمر الذى دفع أحد نواب المجلس وقتها وهو النائب اليسارى، أبوالعز الحريرى، إلى إعلان أنه سيرفع دعوى قضائية أمام القضاء الإدارى لإلغاء قرار «مرسى».
جاءت الطامة الكبرى يوم 21 نوفمبر 2012، بإصدار محمد مرسى إعلانه الدستورى، الذى نص على أن: «تكون الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة فى 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور، وانتخاب مجلس شعب جديد نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء وتنقضى جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية، ويعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات، تبدأ من تاريخ شغل المنصب، وتشترط فيه الشروط العامة لتولى القضاء، وألا تقل سنه عن 40 سنة ميلادية، ويسرى هذا النص على من يشغل المنصب الحالى بأثر فورى».
وبمقتضى هذا الإعلان، تمت إقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، وتعيين المستشار طلعت إبراهيم نائبا عاما.
أدى هذا الإعلان إلى إثارة الغضب فى الشارع، وعادت المظاهرات المنددة والرافضة، وكان من المشاهد المعبرة فى ذلك خطاب لـ«مرسى» ألقاه أمام حشد من أنصاره أمام قصر الاتحادية يوم 23 نوفمبر 2012، كان الحشد من جماعته، وكان الخطاب لجماعته، وكان المشهد فى هذا اليوم تحديدا يؤكد أن الأيام المقبلة حبلى بمفاجآت ستقصر حكمه، لأنه لا يعبر عن جموع المصريين، وإنما يعبر عن جماعته فقط.
توالت الأحداث حتى كانت خطوة «الجماعة» بحصار المحكمة الدستورية يوم 2 ديسمبر 2012، ومحاولة منعها من الانعقاد حتى لا تصدر حكما بحل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، ولم يتمكن مستشارو المحكمة من الحضور إلى مقرها، والذى بدأ بعد أن أعطى الإرهابى صفوت حجازى إشارة البدء للعناصر الإخوانية التى كانت مجتمعة فى ميدان النهضة وقتئذ، حسبما تذكر «انفراد» فى تقريرها «حصار المحكمة الدستورية جريمة الإخوان ضد العدالة» المنشور يوم 23 نوفمبر 2020.
قررت المحكمة على أثر ذلك تعليق جلساتها، ووفقا لموقع «المصرى اليوم 2 ديسمبر 2012»، قالت فى بيان لها: «وقع تاريخ الجلسة المحددة لنظر القضايا المنظورة أمام المحكمة الدستورية العليا فى الثانى من ديسمبر عام 2012، والذى كان يوما حالك السواد فى سجل القضاء المصرى على امتداد عصوره، فعندما بدأ توافد قضاة المحكمة فى الصباح الباكر لحضور جلستهم، ولدى اقترابهم من مبناها تبين لهم أن حشدا من البشر يطوقون المحكمة من كل جانب، ويوصدون مداخل الطرق إلى أبوابها، ويتسلقون أسوارها، ويرددون الهتافات والشعارات التى تندد بقضاتها، وتحرض الشعب ضدهم، ما حال دون دخول من وصل من القضاة، نظرا لما تهددهم من أذى وخطر على سلامتهم، فى ظل حالة أمنية لا تبعث على الارتياح»، وتابع البيان: «والمحكمة إذ تسجل ببالغ الأسى والألم أن أساليب الاغتيال المعنوى لقضاتها الذى سبقت ممارسته الفترة الماضية من هذا الحشد وغيره ممن ينتمون إليه، والذى يتظاهر اليوم ضد المحكمة، هى التى قادت إلى هذا المشهد البغيض المفعم بالخزى والعار، بما حمله من تشهير وتضليل وتزييف للحقائق».
وواصل البيان: «إزاء ما تقدم فإن قضاة المحكمة الدستورية العليا لم يعد أمامهم اختيار، إلا أن يعلنوا لشعب مصر العظيم أنهم لا يستطيعون مباشرة مهمتهم المقدسة فى ظل هذه الأجواء المشحونة بالغل والحقد والرغبة فى الانتقام واصطناع الخصومات الوهمية، ومن ثم فإنهم يعلنون تعليق جلسات المحكمة إلى أجل يقدِرون فيه على مواصلة رسالتهم والفصل فى الدعاوى المطروحة على المحكمة بغير أى ضغوط نفسية ومادية يتعرضون لها».
كان هذا المناخ مناسبا لأن تطل الفتنة الطائفية برأسها، ويعد نتيجة طبيعية للخطاب الطائفى والتكفيرى الذى عاشت عليه الجماعة منذ تأسيسها عام 1928، وأثناء «حكم الجماعة» ارتفعت دعاوى «تحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم»، وقابلها المصريون باستنكار شديد، وفى يوم 5 أبريل 2013 حدثت اشتباكات بين مسلمين ومسيحيين فى مدينة الخصوص بمحافظة القليوبية، راح ضحيتها 4 قتلى و7 مصابين، ولم تقتصر الفتنة على المسلمين والأقباط فحسب، وإنما فى يوم 23 يوليو 2013 وقعت عملية قتل وسحل فى قرية «زاوية أبو مسلم»، مركز «أبوالنمرس» بمحافظة الجيزة للشيخ الشيعى حسن شحاتة، وأربعة من أنصاره، وهى الواقعة البشعة التى رأى الكاتب والأديب بهاء طاهر أنها نتيجة طبيعية لحكم جماعة الإخوان، حسبما ذكر لـ«انفراد» يوم 23 يوليو 2013 .
فى يوم 15 يونيو 2013 وأمام حشد من أنصاره فى استاد القاهرة فى مؤتمر يدعم الإرهاب فى سوريا، أعلن مرسى فتح باب التطوع لما أسماه بـ«الجهاد» فى سوريا، فى مشهد أعاد إلى الأذهان قصة «الأفغان العرب»، الذين ذهبوا إلى أفغانستان فى مطلع ثمانينيات القرن الماضى، وعادوا ينفذون مخططاتهم الإرهابية، فى هذا اليوم أيضا قام إرهابيان بالدعاء على كل المعارضين لحكم الجماعة، وتوعدّاهم إن نزلوا فى مظاهرات يوم 30 يونيو، لكن الشعب نزل وهتف بحناجر يملؤها غضب الثورة: «ارحل ارحل يا مرسى»، و«يسقط يسقط حكم المرشد».