واصلت الأجهزة الأمنية جهودها لليوم الثالث على التوالى، لكشف غموض اختطاف «جماعة التكفير والهجرة الإرهابية» للشيخ محمد حسين الذهبى، وزير الأوقاف السابق، من فيلته بحلوان يوم 3 يوليو 1977.. «راجع، ذات يوم، 3 و4 يوليو 2021».
استجوبت الأجهزة الأمنية أكثر من 50 شخصا، حسب «الأهرام» يوم 6 يوليو 1977، وكشفت معلومة مثيرة فى تقريرها بالصفحة الأولى، قائلة: «إن الاتصالات استمرت من جانب المسؤولين فى وزارة الداخلية وأفراد «التكفير والهجرة»، بواسطة أشخاص معينين لتأمين حياة الدكتور الذهبى».. فكيف جرت هذه الاتصالات؟.
كان اللواء «حسن أبو باشا»، مدير جهاز أمن الدولة، فى زيارة إلى ألمانيا، وعاد يوم 5 يوليو، مثل هذا اليوم، 1977، وفقًا لمذكراته «فى الأمن والسياسة»، مؤكدًا أنه فور عودته وضع خطة بحث شاملة فى محاولة لإنقاذ الشيخ الذهبى أولًا، وضبط العناصر الضالعة فى التخطيط والتنفيذ، مضيفًا: «كان من بينهم مع الأسف الشديد أحد ضباط الشرطة المفصولين «أحمد طارق عبدالعليم» بسبب انخراطه فى عضوية الجماعة».
يذكر اللواء فؤاد علام، فى مذكراته، «الإخوان وأنا»، أنه كان وقتئذ مسؤولا عن «النشاط العربى فى أمن الدولة»، ويتذكر أنه فور عودة أبو باشا، أمر وهو فى المطار بتشكيل مجموعة عمل من 20 ضابطًا، وأسند إليه مهمة رئاستها.. يكشف أنه استدعى «طلال الأنصارى» المحبوس فى سجن طرة، ولأنه كان من قيادات «التكفير والهجرة» فى فترة سابقة، ويعلم الكثير عن أعضائها ومقار أوكارهم، وكان ينفذ حكمًا صدر ضده فى قضية الفنية العسكرية.. يؤكد: «أدلى لنا بمعلومات مهمة فى هذا المجال».
بينما كان «علام» وضباطه ينفذون خطتهم، كانت تمضى مسألة الوساطة التى أشارت إليها «الأهرام»، ويقوم بها «شوكت التونى» المحامى لمتهمين فى قضايا إرهاب، أشهرها قضية «التنظيم الإرهابى لجماعة الإخوان بزعامة سيد قطب عام 1965»، وحسب كتاب «جماعة المسلمين» لمحمد سرور زين العابدين، فإن «التونى» قال أمام المحكمة العسكرية العليا التى حاكمت المتهمين فى القضية: «اطلعت على مبادئ الجماعة منذ ارتبطت بالدفاع عن أعضائها، ولاحظت أنها متشددة فى الدين، وفى مساء خطف الشيخ الذهبى، اتصل بى اللواء نبوى إسماعيل «نائب وزير الداخلية» وقابلته، وشرح لى ظروف الحادث، وطلب منى التوسط لدى الجماعة، وكان فى منتهى الجدية لإنقاذ الذهبى. وأكدت له أنه لن يمس بسوء، وأصدرت بيانًا نشرته الصحافة والإذاعة والتليفزيون، ثم سافرت إلى أمريكا، وفوجئت بنبأ مقتله».. يذكر «زين العابدين» أن المهندس عثمان أحمد عثمان، شهد أمام المحكمة العسكرية، بأنه عرض على السلطة دفع المائتى ألف جنيه التى طلبتها «الجماعة» فى بيانها، مقابل الإفراج عن الذهبى، ورفض نبوى إسماعيل لأن الإذعان لمطلب المجرمين سيؤدى إلى سقوط هيبة الدولة.
يذكر «أبوباشا» أنه تم اكتشاف مخابئ جميع العناصر الهاربة فى أطراف القاهرة، والاستدلال على مكان الشيخ الذهبى بشقة مفروشة بمنطقة الهرم «يوم 7 يوليو 1977»، وخلال 72 ساعة تم ضبط جميع الهاربين وعلى رأسهم أمير الجماعة، والأدلة التى تدينهم، وتأكد أن ضابط الشرطة المفصول، توجه بتكليف من أمير الجماعة إلى الشقة الموجود فيها الشيخ الذهبى، وأطلق الرصاص على عينه اليسرى فى نفس يوم اختطافه، والمعروف أن أمير الجماعة كان يهدد دائمًا بإطلاق الرصاص على العين اليسرى لمن يهدده، وذكر هذه العبارة لضباط الأمن عند القبض عليه صائحًا فيهم: «سأرث الأرض ومن عليها وسأطلق الرصاص عليكم فى أعينكم اليسرى».
كان نشاط هذه الجماعة الإرهابية معروفًا منذ سنوات للأجهزة الأمنية.. يكشف «أبوباشا» فى مذكراته: «بدأ يظهر على الساحة ما سمى بجماعة التكفير والهجرة، ويقود حركتها شكرى مصطفى، وكان من المنتمين أصلًا إلى جماعة الإخوان، ثم شكل جماعته الجديدة بداية من عام 1974».. يضيف: «كان الفكر الذى يحكم هذه الجماعة يكفر المجتمع، ويصفه بالجاهلية، ويدعو إلى الهجرة حتى يعدوا أنفسهم للجهاد، وعندئذ تكون عودتهم لدار الحرب للقضاء على المجتمع الجاهلى، وبدأت هذه الدعوة تنتشر بين الشباب بصفة خاصة، وكان مذهلًا أن أعدادًا غير قليلة من هذا الشباب بدأوا يكفرون آباءهم وأمهاتهم وإخوانهم، ويتركون منازلهم للإقامة فى أطراف المدن فى غرف صغيرة يستأجرونها، بل إن الكثيرين منهم ومن بينهم أطباء ومهندسون وصيادلة تركوا أعمالهم، وأخذوا يمارسون مهنة أخرى كبائعين جائلين يبيعون بعض أنواع الحلوى».
يؤكد «أبوباشا»، أنه تم اختراقها أمنيًا، وأمكن خلال مراحل الرصد والاختراق إحداث انشقاق ملحوظ بين صفوفها، وبدأ عدد غير قليل يعلن انشقاقه عليها، لكن قيادة الجماعة خصصت مجموعات كانوا يتوجهون إلى منازل المنشقين فى ساعات متأخرة من الليل، ويعتدون عليهم بالجنازير والمطاوى مع تهديدهم بالعودة أو القضاء عليهم.