التف عشرات الألوف حول نعش الشيخ حسين الذهبى، وزير الأوقاف، الذى قتلته جماعة «التكفير والهجرة الإرهابية» بعد اختطافه يوم 3 يوليو عام 1977، وعثرت الأجهزة الأمنية على جثته فى إحدى الشقق بمنطقة الهرم يوم 6 يوليو 1977، وفى نفس اليوم قرر الرئيس السادات تشكيل محكمة عسكرية لقاتلى الشيخ.
خرجت الجنازة من الجامع الأزهر، وشارك فيها كبار المسؤولين، يتقدمهم محمد حسنى مبارك نائب الرئيس السادات، وممدوح سالم رئيس الوزراء، وشيخ الأزهر، حسبما ذكرت جريدة الأهرام «8 يوليو 1977»، وأضافت: «ردد المشاركون فى الجنازة هتافات «لا تكفير ولا هجرة» و«لا اغتيال ولا إرهاب».
فى يوم 8 يوليو، مثل هذا اليوم، 1977، تم القبض على شكرى مصطفى زعيم هذه الجماعة، وكانت حسب مختار نوح فى «موسوعة العنف فى الحركات الإسلامية»: «ظهرت عملاقة أكبر من حجمها الواقعى أو السياسى، وأكبر من حجم المعرفة السياسية لدى مؤسسها شكرى مصطفى، إذ قام بتأسيسها عقب خروجه من المعتقل عام 1971 «قضية سيد قطب 1965»، وأعلنت مبادئها وأصولها العقائدية فى تكفير المسلم بالمعصية والحكم على المجتمع بالجاهلية».
تم القبض على «شكرى» فى «عزبة النخل» القريبة من عين شمس والمرج.. يذكر الدكتور رفعت السعيد فى الجزء الثالث من كتابه «الإرهاب المتأسلم»، أن المصادفة لعبت دورها فى عملية القبض، حيث كان «مخبر سرى» يجلس عند محل ترزى، ووجد شخصا ملثما ومعه سيدة منتقبة تحمل طفلا على كتفها، وشاهد سيدة منتقبة تطل من بلكونة تشاور له بالابتعاد، فشك المخبر، واستوقفه، ودار حوار بينهما، طلب فيه المخبر بطاقة الملثم، لكنه رفض، ثم قال للمخبر والترزى: «لا يجوز أن تكون هناك عورة بيننا، الست هتدخل وأنا أرجع لكم، وتركاه بالفعل».
عاد الملثم إليهما ودار حوار جديد وسأل: «انتو عايزين منى إيه أنا معنديش بطاقة».. رد المخبر: «اسمك إيه» رد: «اسمى زين»، رد المخبر: انت من جماعة التكفير والهجرة اللى قتلت الشيخ الذهبى» رد الملثم: «الجماعة مقتلتش حد» رد المخبر: «انت من الجماعة؟.. رد الملثم منفعلا: «أنا شكرى مصطفى.. عايزين إيه؟
يؤكد السعيد: «أسقط فى يد المخبر فليس معه سلاح ولا جهاز للاتصال برؤسائه.. أجاب المخبر: «مش عايزين حاجة اتفضل ادخل نام».. ودخل شكرى، وتوجه الترزى إلى التليفون الوحيد فى المنطقة واتصل بقسم شرطة المطرية، بينما وقف المخبر على باب البيت، ووصلت قوة بقيادة الرائد عادل سليم رئيس مباحث القسم، وهو ذاته العميد عادل سليم الذى اغتاله الإرهابى محمد صلاح أثناء هروبه بعد اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب.. يذكر «السعيد» أن شكرى مصطفى كان جالسا فى الصالة فى وضع القرفصاء، وتم القبض عليه.
كان اللواء فؤاد علام، هو قائد مجموعة ضباط البحث فى هذه القضية بقرار اللواء حسن أبو باشا، رئيس جهاز أمن الدولة وقتئذ، يذكر «علام» فى مذكراته «أنا والإخوان» أنه بعد عملية القبض قام النبوى إسماعيل نائب وزير الداخلية، وحسن أبو باشا، بمحاولة استجواب شكرى على عجل بحجرة مأمور قسم الزيتون، فكان مغرورا فى حديثه إليهما ومما قاله لهما: «أنا سأرث الأرض ومن عليها، ولن يستطيع أحد من الناس أن يمسنى بسوء، فأنا محفوظ بالعناية الإلهية».. و«أنا المهدى المنتظر الذى سيحرر العالم الإسلامى من العبودية وسيعيد للإسلام مجده وسيقيم الخلافة مرة أخرى».
بدأت عملية التفتيش فى أماكن الإقامة التى كان يتردد عليها شكرى..يذكر «أبو باشا» فى مذكراته «فى الأمن والسياسة»: « كانت الجماعة تخطط لخطف النائب العام فى ذلك الوقت المستشار إبراهيم القليوبى، كبديل للشيخ الذهبى، وعثر على خريطة توضح المسار من منزله بمنطقة الدقى إلى نفس الشقة التى نقل إليها الشيخ الذهبى».
يذكر مختار نوح فى «موسوعة العنف»، أنه فى 6 يوليو 1977 وردا على قرار إحالة القضية إلى القضاء العسكرى، حدث انفجار فى سينما سفنكس بالمهندسين أصاب مجموعة من المواطنين، وفى نفس اليوم وقع حادث مشابه فى مبنى معهد الموسيقى العربية، وتم العثور على مسودة بيان فى منزل «شكرى مصطفى» بالعقار رقم 10 بشارع المراغى فى دير الملاك، وكان نصه: «قامت جماعة المسلمين «التكفير والهجرة» أمس فى تمام الساعة الحادية عشرة إلا الربع بمهاجمة معهد الموسيقى العربية، ومسرح فريد الأطرش بقصد أخذ المدعو عبدالحليم نويرة مدير المعهد، ورئيس فرقة الدعارة العربية، كرهينة لإجابة مطالبنا، فلما لم نجده قمنا بوضع عبوة ناسفة، ووقع الاختيار على نويرة بصفته صهرا للسادات، وأيضا قمنا بوضع عبوة صغيرة فى سينما سفنكس كتحذير مبدئى فى مراحل الخطة، ونعتبر ذلك بداية الرد على المدعو أنور السادات شخصيا».