كل الشواهد تشير إلى أن قضية سد النهضة تتجه إلى الحسم، مجلس الأمن المعنى بالسلم والأمن، والدول الكبرى على دراية بوجود أزمة لا يمكن السكوت عنها وتركها تتوسع، وتصل لمحطتها الحاسمة بعد 10 سنوات من المفاوضات لم تنته إلى ضمان حقوق 150 مليون مصرى وسودانى فى مياه النيل، وهى حقوق ترتبت على مدى آلاف السنين، ما يجعلها قضية وجود وحياة لدى الدولة والشعب.
وفى حين تتمسك مصر والسودان بكل سبل المرونة والصبر، ترفض إثيوبيا الالتزام بالقانون الدولى، أو بعدم الإضرار بمصالح دول المصب، وتمارس التلاعب والمناورات، للتهرب من الالتزامات، من دون إدراك لتداعيات هذه المناورات وكونها يمكن أن تقود إلى اختلال السلم فى أفريقيا والمنطقة، الجانب الإثيوبى يقدم خطابات وتصريحات متناقضة، مرة بادعاءات لدى دول منابع النيل، حول أنصبة المياه، وأخرى يتحدث فيها عن عدم الإضرار بدول المصب، وتقديم معلومات خاطئة حول القضية.
وقد أكدت مصر دائما استعدادها للتعاون، والتزمت مع السودان بقدر كبير من المرونة، مع رفض التصرفات الفردية من قبل إثيوبيا، ومحاولة فرض أمر واقع، فى قضية وجودية لا تحتمل التلاعب أو الازدواجية، ولم يعد هناك وقت لمثل هذه المواقف، حيث يتحتم التوصل إلى اتفاق ملزم فى وقت محدد وإنهاء الوضع المعلق، حيث تؤكد مصر أن التفاوض لا يمكن أن يبقى بلا سقف زمنى.
مصر والسودان دعتا إلى اجتماع لمجلس الأمن فى ظل التهديد الوجودى الذى يواجهه شعبا البلدين من سد النهضة الإثيوبى، خاصة أن قرار أديس أبابا بدء الملء الثانى لخزان السد، ينتهك اتفاق المبادئ، وأيضا القوانين الدولية المنظمة للأنهار العابرة للحدود.
يقدم مشروع القرار الذى تقدمت به تونس طريقا لحسم الملف داخل الاتحاد الأفريقى بشكل يضمن حقوق الأطراف، وينصّ مشروع القرار التونسى، على أن مجلس الأمن يطلب من مصر وإثيوبيا والسودان استئناف مفاوضاتهم بناء على طلب من رئيس الاتّحاد الأفريقى والأمين العام للأمم المتّحدة، لكى يتوصّلوا، فى غضون ستّة أشهر إلى نص اتفاقية ملزمة لملء السدّ وإدارته، ويضمن قدرة إثيوبيا على إنتاج الطاقة الكهرومائية من السد وفى الوقت نفسه تحول دون إلحاق أضرار كبيرة بالأمن المائى لدولتى المصب ويحضّ إثيوبيا على الامتناع عن الاستمرار من جانب واحد فى ملء خزان سدّ النهضة، وتمتنع الدول الثلاث عن أى إعلان أو إجراء يحتمل أن يعرض عملية التفاوض للخطر.
وزير الخارجية سامح شكرى قال إن مصر تؤيد مشروع القرار وتعتقد أنه متوازن، ويضمن لرئيس الاتحاد الأفريقى إجراء المفاوضات بصيغة محسنة لإيجاد طرق لحل القضايا التى أعاقت الوصول إلى نتيجة.
والواقع أن هذا القرار يمثل حلا مرضيا، وتأييد مصر له يعنى أنها لا تعارض التنمية فى إثيوبيا، أو تقف ضد توليد الكهرباء، بل إن وزير الخارجية سامح شكرى أشار إلى اتفاقات تم التوصل إليها فى مناطق أخرى من أفريقيا بما فيها السنغال والنيجر، وفى أوروبا على نهر الدانوب وفى آسيا حول مشاركة المياه على الأنهار العابرة للحدود، وبهذه الخطوة تكون مصر والسودان قدمتا كل ما لديهما من مرونة، لحفظ السلم والأمن، مؤكدا أن مصر ستواصل السعى للحل السلمى للنزاع.
الدولة المصرية من حقها اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية الشعب وحقوقه المائية، و الموقف المصرى من البداية واضح، لا يخضع للاستفزاز، ويحرص على التعاون والحوار والتزام ينطلق من حرص على توقى الصدام، مع امتلاك كل الخيارات من دون تهديد أو تفريط، وموقف الدولة ومؤسساتها تعبير عن موقف الشعب المصرى، وقلقه بشأن المستقبل ومياه النيل التى لا تحتمل التلاعب أو التجاوز، ويقف الشعب المصرى مع الدولة والقيادة فى قضية وجودية.