تعددت محاضر المشاجرات بين مجموعات من الشباب الذين أطلقوا لحاهم فى أقسام شرطة المعادى وحلوان والخليفة والظاهر ومصر الجديدة، ولم يكن الأمر مجرد مشاجرات عادية، وإنما كان ضمن مخطط إرهابى لعمليات تصفية جسدية للمنشقين عن جماعة «التكفير والهجرة»، حسبما يذكر الكاتب الصحفى «شفيق أحمد على» فى تحقيقه المنشور بمجلة «روزاليوسف» يوم 11 يوليو، مثل هذا اليوم، 1977.
نشرت «روزاليوسف» تحقيقها ضمن ملف شامل عن هذه الجماعة الإرهابية، وذلك بعد جريمتها باختطاف الشيخ حسين الذهبى، وزير الأوقاف السابق، يوم 3 يوليو 1977، وقتله فى نفس اليوم، ثم الكشف عن جريمة القتل يوم 7 يوليو 1977.. شمل التحقيق المضبوطات والاعترافات التى توصلت إليها نيابة أمن الدولة، ومنها عدد من المطاوى والعصى والسكاكين ومجموعات من الكتب والنشرات العسكرية المحظور تداولها بين العامة مثل «دليل التائهين» و«دليل الجندى»، أما الأوراق فكانت ثلاثة مؤلفات كتبها شكرى مصطفى زعيم الجماعة بخط يده، ليتداولها الأعضاء فيما بينهم، وتتضمن أفكاره ومبادءه وتفسيره لبعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وفقًا لما يراه، فضلًا عن فتوى تجيز لأفراد الجماعة الكذب على سلطات التحقيق، وحلف يمين الشهادة على المصحف كذبًا دون أن يحاسبهم الله على ذلك.
كانت الاعترافات الخاصة بالاعتداءات على المنشقين عن الجماعة مثيرة، ومنها أن نيابة أمن الدولة استمعت إلى أقوال المتهمين الأربعة فى محاولة اغتيال المهندس الزراعى عبدالسلام مصطفى أحد المنشقين عن الجماعة، واعترفوا بأن رئيس الجماعة كلفهم بهذه المهمة للانتقام منه جزاءً له على قيامه بتسفيه مبادئهم، وكذلك قيام عشرة أشخاص من أعضاء التنظيم بالهجوم فى منتصف الليل على مسكن «على حسن الهلاوى» الطالب بجامعة الأزهر، والمفرج عنه فى قضية الهجوم على الكلية الفنية العسكرية، هو وشقيقه خالد الطالب بالثانوى، وانهالوا عليهما بالمطاوى والعصى الغليظة، كما هاجم عدد من الجماعة برئاسة «أميرهم»، عند الفجر، مسكن «رفعت أبودلال» و«أحمد عرفة» مما دفعهما إلى إلقاء نفسيهما من النوافذ، فأصيبا وانتقلا إلى المستشفى، وتبين أن أمير الجماعة وأفرادها استخدموا فى الحادث سيارة لورى تشبه سيارات الجيش المصرى، وأنهم كانوا يرتدون ملابس تشبه ملابس القوات المسلحة المصرية.
قال «رفعت أبودلال»، إنه كان من أوائل المؤسسين لجماعة التكفير والهجرة، وانضم إليها فى آواخر عام 1972، ويحمل شهادة دبلوم مركز التدريب المهنى وعمره 34 عاما. وأضاف: «لجأنا إلى المغارات وكهوف المنيا، وتعرضنا فى بداية الدعوة إلى متاعب كثيرة، وتوليت مهمة التدريب العسكرى لأفراد الجماعة، وكنت من أشد المقتنعين بها وبأفكار أميرها، وانزعجت عندما علمت أنهم يعتدون بالضرب على من ينشقون عنهم، ولما طلبوا منى أن أشترك فى إحدى الفرق المخصصة لهذا الغرض قررت الانفصال عنهم فمنعونى».
أما المهندس أحمد محمود عرفة، فقال: «حينما تعرفت على شكرى، أمير الجماعة، أقنعنى فى البداية بمنهجه ومعتقداته، منهجه تكفير المجتمع حاكمًا ومحكومًا لإصراره على ارتكاب المعاصى، وتحريم التعليم فى مدارس الدولة، فالدولة كافرة والمناهج غير دينية، وتحريم العمل فى هيئات الحكومة المصرية ووظائفها العامة، لأن هذه الحكومة كافرة وتتعامل بالربا.. وعليه لا يجوز الانضمام أو الخدمة فى جيش ينتمى إلى دولة كافرة، وكل أئمة المساجد كفار لا يجوز الصلاة خلفهم، مع ضرورة الهجرة إلى مكان لا سلطان فيه لإنسان على إنسان، حيث يعبدون الله، ويعدون أنفسهم بدنيًا وعقائديًا ثم يزحفون على المجتمع الكافر لتغيير نظامه، هذا بالإضافة إلى استباحة الاستيلاء على أموال الغير باعتبار أنها أموال كفار تعتبر فى حكم الغنائم لإنفاقها فى سبيل الله، وسافر بعض أعضاء الجماعة بالفعل إلى شمال اليمن خصوصًا أن أميرهم يتصور أن اليمن هو المكان الصالح لإقامة المجتمع الذى ينشده».
وكشف المهندس محمد سعد الدين: «انضممت إلى هذه الجماعة فى أغسطس عام 1975، وتركتها فى مايو 1976، ومن يومها وأنا أتعرض لاعتداءات متكررة منهم، فقد كانوا يزوجون الفتيات اللاتى وقعن فى شباكهم لأعضاء التنظيم، وإذا أفاق أحدهم إلى رشده وترك الجماعة، طلقوا زوجته لأن الخارج عنهم كافر، ولا يجوز زواج الكافر من مسلمة، ثم يزوجونها بعد ذلك من عضو آخر.. ويحرضون الطلبة على ترك دراساتهم بدعوى التفرغ للعبادة، ويحثون الموظفين والعمال على ترك أعمالهم والعمل فى «مهن حرة»، ناهيك عن تكفيرهم لبعض الأنبياء لارتكابهم المعصية كآدم وإبراهيم وموسى عليهم السلام».