نقلا عن العدد اليومى...
فى الخامسة فجرًا، يستيقظ يبدأ يومه بقراءة الصحف وممارسة الرياضة، وبعدها يتوجه فورًا إلى عمله الذى ينتهى فى الحادية عشرة مساء، هذا هو ما كشف عنه عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، أثناء حوار أجرته معه مجلة «أفريك» الفرنسية فى فبراير الماضى.
القلق كان السبب وراء عدم استطاعة الرئيس النوم أكثر من ساعتين، هذا ما أكده الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل قبل رحيله، وللقلق أسباب متعددة، أهمها كثرة الأعباء والمسؤوليات فى ظل الوضع الاقتصادى الصعب، فضلا عن أن العديد من القيادات التنفيذية غير قادرة على الإنجاز على الوجه الأمثل.
كلام الرئيس عن استيقاظه مبكرًا تدعمه مشاهد كثيرة تعمد فيها السيسى أن تتم لقاءاته فى الساعات الأولى من اليوم، على رأسها قراره بأن تؤدى أول حكومة فى عهده، وهى حكومة المهندس إبراهيم محلب، اليمين الدستورى فى الساعة السابعة صباحًا فى يوم 17 يونيو 2014، وهو ما قال عنه الدكتور خالد فهمى وزير البيئة بأنه موعد غريب، ولكنه يحمل رسالة غير مباشرة لها معانٍ كثيرة، وهى ضرورة أن نتواجد جميعنا داخل مكاتبنا لتأدية عملنا فى الساعة 7 صباحًا.
لكن على مدى عامين كان الدرس صعبًا، فلم يتعلم الكثير من الوزراء سواء فى عهد محلب أو فى عهد شريف إسماعيل، الدرس ولم يفهم أغلبهم المغزى من استيقاظ الرئيس مبكرًا.
فلكى ينجز الرئيس عددا من المشروعات التنموية تطلب منه الأمر العمل بمعدل يصل إلى 15 ساعة يوميا، فلو لم يقرر العمل بهذا المعدل لما استطاع إعطاء إشارة البدء لحصاد القمح فى منطقة الفرافرة، تلك البقعة الصحراوية التى لم نكن نعرف عنها سوى أنها تضم مجموعة من المواطنين الذين يعانون من نقص الخدمات والإمكانيات ضمن المشروع القومى لزراعة مليون ونصف مليون فدان.
ولا كانت «سحارة سرابيوم» قادرة على أن تعلن عن نفسها كأكبر مشروع مائى يمر أسفل قناة السويس لتوفير مياه الرى من ترعة سيناء وتأمين وصولها من أسفل القناة الجديدة للمزارعين فى منطقة شرق القناة.
ولا كنا ننتظر الآن الانتهاء من مشروع تطوير الطرق والكبارى الذى يهدف لتحسين ورفع كفاءة ما هو قائم من الطرق، وإنشاء أخرى جديدة للربط بين شتى محافظات الجمهورية، ولا استطاع أيضا 320 ألف مواطن الحجز فى شقق الإسكان الاجتماعى، وهى المشروعات التى يعتمد فيها الرئيس أكثر على القوات المسلحة من الوزراء الذين يمثلون السلطة التنفيذية.
السبب ببساطة أنه بعد خمس سنوات على ثورة الخامس والعشرون من يناير لاتزال البيروقراطية تطغى على طريقة عمل الجهاز الإدارى للدولة لأن «الحكومة بتصحى متأخر»؟، فيظل المواطن محرومًا من الخدمات وتتعطل مصالحه نتيجة لتأخير العمل لنصبح أمام عدد هائل من القرارات المؤجلة والتعقيدات الإدارية، فيضطر هذا الموطن إلى الانتظار شهورًا بأكملها حتى يحصل على قرار للعلاج على نفقة الدولة، ويظل آخر يبحث عن أى مخرج ينقذه من بيروقراطية العمل داخل التأمينات الاجتماعية التى تحرمه من الحصول على معاشه، بينما يتوقف حلم مواطن ثالث بنظام الشباك الواحد الذى وعد به جميع وزراء الاستثمار ولم ينفذ حتى الآن، وقياسًا على ذلك المرور والتموين والشهر العقارى وموظفو الأحوال الشخصية وكلامهم المكرر عن أن «السيستم واقع».
المواطن لا يحتاج فقط إلى رئيس جمهورية يستيقظ مبكرا ليعمل على تحقيق مصالحه، بل يحتاج أن يعى كل موظف بالدولة الرسالة التى وجهها الرئيس له عن ساعات عمله التى ليست سوى رمز لإيقاظ الضمائر الكسولة والعقول الضامرة التى ظلت على مدى عقود تعانى من الجمود والفساد الذى تغلغل فى الجهاز الإدارى للدولة، فإن لم يستطع الوزراء وموظفوهم العمل مبكرًا فستظل المشاكل كما هى مهما استيقظ الرئيس وحده فى الخامسة فجرًا.