لا أحد ينسى قصة المواطن السوهاجي، الذي دخل السجن شابًا وخرج منه مسنًا، بعدما قضائه 45 سنة خلف أسوار القضبان بسبب جرائم الثـأر، وبمجرد خروجه من السجن مات بعد عدة أشهر.
هكذا يبدو الأمر، يدخل الشخص السجن شابًا ويخرج كهلًا، بسبب جرائم الثأر، تلك العادات الخاطئة، التي مازال المجتمع يعاني من بعضها، رغم اختفاء هذه الجرائم في عدة محافظات، إلا أنها مازالت تحدث بصورة فردية ما بين الحين والآخر.
أشخاص لا ذنب لهم يدفعون "فاتورة الثأر"، ما بين شاب يجد نفسه مكلف من عائلته بالأخذ بالثأر ليتحول لمجرم ويضيع مستقبله، وما بين شخص آخر يُقتل، دون ذنب بمجرد أنه ينتمي لعائلة مطلوب قتل أحدهم، هكذا الأمر قاسي وصادم.
دفاتر "حوادث الثأر"، شاهدة على أحداث مؤسفة، لعل أبرزها قصة "محمد" الشاب العشريني، الذي يقطن محافظة الجيزة، كلفه أقاربه بأخذ الثأر، ودون تفكير وجد نفسه قاتلًا، ليدخل السجن بعد صدور حكم عليه بـ"المؤبد" ليقضي ربع قرن من عمره خلف أسوار السجن.
بصوت ممزوج بالآسى، قال "السجين" لـ"انفراد": للآسف تربينا على عادات خاطئة، وكنت مطالب بأخذ الثأر لأدخل السجن وأدفع فاتورة هذه العادات الخاطئة.
يتعلثم لسان السجين، وهو يتحدث عن أسرته، قائلًا:" أنا متزوج ولدي أسرة وأبناء، وللأسف أصبحت محرومًا منهم، وسأخرج لهم بعد 25 سنة، يكون كل شيء قد تغير".
"أنا ندمان"، جملة عبر بها السجين، عن مدى الألم الذي يسكن قلبه جراء دخوله السجن بسبب عادات خاطئة، مضيفًا :"لو رجع بيا الزمن مش هأعمل كده..لا تكرروا تجربتي، وتعلموا من أخطائي، لعن الله الثأر ومن سعى اليه".
وكانت وزارة الداخلية نجحت في القضاء على الخصومات الثأرية من خلال عقد العديد من جلسات الصلح بالتنسيق مع الرموز الدينية وكبار العائلات والشخصيات العامة، وتقريب وجهات النظر، حيث ساهمت التحركات الأمنية في القضاء على الخصومات الثأرية وإقامة جلسات صلح تصدرها مشاهد حمل الأكفان، ليتم حقن الدماء ووقف سلسال الدم، وإعلان الصلح والصفح بين الجميع، وعادت روح المحبة بين جميع الأطراف.
وبذلت وزارة الداخلية جهوداً كبيرة في إنهاء سلسال الدم، من خلال الحديث مع أطراف الخصومات وإقناعهم بالعدول عن العنف وقبول الصلح وعودة روح المحبة بين الجميع، حيث لقيت مبادرات الداخلية قبولاً واستحسان من الجميع، خاصة في ظل تواجد القيادات الأمنية على رأس المصلحين وفي سرادق الصلح.
ولم تكتفي الداخلية بذلك وإنما حاربت الأسلحة النارية غير المرخصة التي يستخدمها البعض في جرائم الثأر من خصومهم، مما يزيد من حالة العنف وسلسال الدم بين الأطراف، فوجهت الوزارة العديد من الحملات الأمنية المكبرة بالتنسيق مع مديريات الأمن المختلفة، حيث نجحت على مدار 4 سنوات، في ضبط 128749 قطعة سلاح مختلفة، من بينها 20550 بندقية آلية، و66164 فرد محلى الصنع، بالإضافة إلى ضبط 451 ورشة لتصنيع الأسلحة النارية.