«حياة كريمة» ليست مجرد مبادرة لإعادة بناء الدولة الحديثة وتطوير حياة سكان الريف، أكثر من نصف سكان مصر تقريبا، لكنها مشروع شامل للبناء والتغيير، وصياغة عقد اجتماعى يجعل الريف شريكا فى عمليات التنمية الشاملة، ففى الماضى عندما يجرى الحديث عن ارتفاع نسبة النمو الاقتصادى، كانت الملحوظة البارزة أن المواطن لا يشعر بانعكاس نسبة النمو على الصحة والتعليم والطرق والكهرباء والخدمات.
عندما بدأت إجراءات الإصلاح الاقتصادى، لم يكن أكثر الناس تفاؤلا يتصور إمكانية نجاح تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى الصعب، وراهن كثيرون على أن الإصلاح لن يتخطى عتبات التكرار السابق لبعض الإجراءات، وتعرضت الدولة والرئيس لحملات تشكيك وتحريض تحذر من أن المصريين لن يستطيعوا تحمل نتائج الإصلاح. لكن ما جرى أن المصريين صدقوا الإصلاح، ودعموه، بالرغم من أنهم واجهوا معاناة من تأثيراته الجانبية.
ونظرة على واقع الحال قبل 8 سنوات، تشير إلى أن مصر كانت تواجه إرهابا ممولا ومدعوما ومتوحشا، ساهم فى تفكيك دول، مع اقتصاد مُتردٍّ، واحتياطى نقد أجنبى 16 مليار دولار، وعشرة ملايين مصاب بالفيروس الكبد الوبائى «سى»، وربع المصريين يعيشون فى عشوائيات تحزم القاهرة والمحافظات وقابلة للتوسع، كهرباء مقطوعة، أزمات فى الوقود والخبز، بنية أساسية متهالكة، بطالة، وفى الريف هناك زحف يلتهم الأراضى الزراعية، وأغلبية المصريين منسيون، لا ينتظرون أكثر من ترميم طريق، أو إنشاء فصل إضافى فى مدرسة.
حتى أكثر المتفائلين، لم يتصور إمكانية نجاح الإصلاح الاقتصادى، أو أن يتحمل المصريون الآثار الجانبية المؤلمة لهذا الإصلاح، كل هذا ومصر تتحرك وسط ألغام وتحديات وحملات دعائية وشائعات، وقنوات تلقى - على مدار اللحظة - أطنانا من الأكاذيب، تشكك فى الإصلاح الاقتصادى، حملات موجهة ضد المشروعات القومية الكبرى، تساؤلات خبيثة عن أسباب استراتيجيات مصر فى التسلح وتنويع مصادر السلاح، وفوق ذلك تحريض واضح للمصريين وحملات طائفية ومحاولات لشق الصف.
لكن المصريين وثقوا فى أنفسهم، وصدقوا التشخيص، وتحملوا الإصلاح بالعلاج الصعب، ودائما ما يعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كل مناسبة، أن الإصلاح الاقتصادى لم يكن ينجح من دون موافقة ودعم الشعب المصرى، والذى دفع ثمن كل هذا، وتحمل آثار الإصلاح المؤلم، هو الشعب، وأبناؤه هم من نجحوا فى هزيمة الإرهاب الذى هدد وأسقط دولا.
وخلال 8 سنوات، ووسط مواجهة الإرهاب، والتشكيك، استعاد المصريون الأمن، وبجانب ذلك استعاد الاقتصاد عافيته، عاد الاحتياطى النقدى الأجنبى ليقترب من 50 مليار دولار، وتم إنشاء محطات كهرباء عملاقة وفرت حاجات الاستهلاك الصناعى والمنزلى، مع فائض للتصدير، انتهت الأزمات الموسمية، وتم علاج 10 ملايين من فيروس الكبد الوبائى، مع إطلاق مبادرات 100 مليون صحة، وإنهاء قوائم الانتظار للعمليات الخطرة، ومبادرات لكشف سرطان الثدى للنساء وصل إلى أعماق الريف، ومبادرات لعلاج التقزم والعيون والسمع للأطفال.
وتم فتح ملف العشوائيات، الذى بدا مستعصيا على الحل، وتم البدء بإنشاء «الأسمرات 1، و2»، ثم مجتمعات تم نقل أغلب العشوائيات وسكانهم إليها، وحتى المناطق التى ظلت مستحيلة التغيير، تغيرت وتحولت للأفضل فى السيدة زينب والمدابغ والإسكندرية وغيرها، مع توسيع ملف الحماية والاجتماعية، وصرف معاش تكافل وكرامة للأسر الفقيرة.
بعد 5 سنوات على بدء الإصلاح الاقتصادى، نرى النتائج على حياة الناس، صمدت الدولة أمام تداعيات فيروس كورونا، وحققت ثباتا نسبيا لأسعار السلع الأساسية، مع قدرة على تقديم برامج ومبادرات لمساندة القطاعات والفئات الأكثر تضررا، تم تخصيص 100 مليار جنيه - 2% من الناتج المحلى - لمواجهة «كورونا»، واقتصاد مصر من بين اقتصادات قليلة حققت نسبة نمو فى ظل تراجع عالمى، وتم القضاء على فيروس «سى»، والبدء فى مبادرة «حياة كريمة»، التى اعتبرتها الأمم المتحدة أفضل الممارسات الدولية، توافقا مع كل أهداف التنمية المستدامة، وتطوير شامل للريف ليكون جزءا من بنيان التنمية يضاعف الإنتاج، ويخلق فرص عمل، فى 4500 قرية يسكنها 56% من المصريين، خلال 3 سنوات على 3 مراحل.
أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، رصد 200 مليار جنيه لكل مرحلة فى مبادرة تطوير الريف، وهى متضمنة فى خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعام 21/22 التى أقرها مجلس النواب، تستفيد منها 20 محافظة، بإجمالى 1367 قرية وتوابعها، وعدد المستفيدين من المرحلة الأولى 17.6 مليون مواطن، ويقول الرئيس: «حرصنا على بدء المشروع فى مثل هذا اليوم، ليكون تغييرا حقيقيا لأكثر من نصف سكان مصر، بنتكلم بين 50 و60 مليون إنسان فى الريف، نسعى لتغيير حقيقى لحال أهلنا فى المرحلة الأولى والثانية والثالثة من المبادرة، 52 مركزا فى المرحلة الأولى ومش هننسى توابعهم، بنعمل ده علشان ده واجبنا تجاه بلدنا، وكل مسؤول يشارك معانا سواء الكهرباء أو الإسكان أو الزراعة أو الرى».
وبالرغم من أهمية المبادرات فى عبور العراقيل البيروقراطية والإدارية، فقد بدت « حياة كريمة» أكبر وأوسع من مجرد مبادرة، فهى أقرب لعقد اجتماعى كان يمثل مطلبا لدى قطاعات كثيرة، بحيث يتحول الإصلاح إلى عملية شاملة، تصل إلى الريف وأعماق مصر المنسية على مدى عقود، وتغير حياتهم جذريا، ليصبحوا شركاء فى عملية التنمية، ويشعروا بثمار نتائج عملهم، فكل ما يجرى على أرض مصر من تغيير شامل، هو نتاج جهد المصريين وشجاعتهم وصبرهم، وهو ما يضاعف من مخزون الثقة لدى المواطن، الثقة التى توحد المصريين فى مواجهة الحاضر والمستقبل.