تسبب حكم حركة النهضة الإخوانية التونسية على مدار السنوات الماضية في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع الأسعار في البلاد، وسط انهيار اقتصاد البلاد وارتفاع معدل البطالة في البلاد بشكل كبير.
وسيطرت حركة النهضة الإخوانية على مجلس نواب الشعب التونسي وعملت على تكميم أفواه الأحزاب والتيارات السياسية داخل مجلس نواب الشعب وتوعد بعضهم والاعتداء عليهم ، ولعل أبرز الوقائع الاعتداء على عبير موسى رئيس كتلة الحزب الدستوري الحر داخل مجلس نواب الشعب، بالإضافة لممارسة سياسة الإقصاء التي تلجأ إليها دائما جماعة الإخوان.
والمتابع إلى مؤشرات الاقتصاد التونسي خلال السنوات الماضية، يلمس تدهورا يدفع بالبلاد نحو مستنقع يستهدف الاقتصاد اللبناني لأن مصادر الدخل تتراجع بأسرع من المتوقع، خاصة تبعات أزمة كورونا الكارثية على السياحة التونسية، ومن أبرز مؤشرات التدهور انكماش الاقتصاد بنحو 9 % خلال العام الماضي وارتفاع معدل البطالة الرسمي إلى 18 % في الوقت الذي يتوقع وصوله بين الشباب إلى أكثر من 30%.
وارتفعت ديون تونس بشكل كبير جدا ولا تستطع البلاد فعليا دفع الأقساط والفوائد دون الحصول على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي، ويتعين على تونس تسديد ما يقرب من 4.5 مليار دولار خلال العام الجاري لخدمة الديون والحصول على نحو 6 مليارات دولار أخرى لتمويل الموازنة وسد العجز فيها، ووصل الدين الخارجي إلى نحو 30 مليار يورو أي ما يزيد على 100% من الناتج المحلي الإجمالي في وقت تُقدر فيه نشرة الغرف الاقتصادية النمساوية احتياطات البلاد بنحو 7 مليارات يورو فقط.
ويعد الاقتصاد التونسي أنه كان من أكثر اقتصاديات دولنا العربية تنوعاً خاصة أنه كان قبل 10 سنوات يتمتع بمحاصيل زراعية متنوعة تتقدمها زراعة الزيتون التونسي ذو الشهرة العالمية. كما تتميز بصناعات أنسجة وملابس وصناعات تحويلية أخرى شكلت إيراداتها آنذاك أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي لتونس.
ووصل عجز الميزان التجاري في تونس أكثر من 7 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، وعلى ضوء تبعات جائحة كورونا لا يتوقع أن يكون هناك تراجع في نسبة العجز المذكور.
ووفقا لنشرة الغرف الاقتصادية النمساوية، تدهورت السياحة التونسية لأكثر من 64% خلال العام الماضي مع تراجع أداء الزراعة والصناعة وارتفاع الأسعار وتراجع الإيرادات الضريبية، وأكد توفيق الراجحي، وزير الإصلاح التونسي السابق أن حل الأزمة الاقتصادية في تونس يتطلب التقدم بقرض جديد من صندوق النقد الدولي.
كانت رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي قد تفاوض الأشهر الماضية على قرض رابع من صندوق النقد الدولى بقيمة حوالي 4 مليارات دولار، ولم يسبق للبلاد أن اعتمدت مثل هذه الوتيرة في طلب قروض من الصندوق.
وخفضت الوكالة العالمية للتصنيف الائتماني "فيتش رايتينج" التصنيف الائتماني الطويل المدى لمصادر العملة الأجنبية في تونس من "ب" إلى "- ب" مع آفاق سلبية، الأمر الذي يعكس مخاطر في توفر السيولة المالية محليا وخارجيا، يأتي ذلك في وقت يتعطل فيه اتفاق تونس مع المانحين الدوليين وتتعثر مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولى بسبب حزمة من التعهدات يطلبها الصندوق.
ويصعب على الحكومة التونسية الإيفاء بهذه التعهدات، ومن بينها تخفيض كتلة الأجور ورفع الدعم عن المواد الأساسية والبنزين وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية التي تثقل كاهل المالية العامة.
وبحسب الوكالة العالمية للتصنيف الائتماني، فإن التوتر السياسي في البلاد وتفاقم الأزمة الصحية وتواصل الاحتجاجات الاجتماعية وتردي وضعية المالية العمومية تعقد كلها سبل وصول تونس إلى اتفاق آمن مع صندوق النقد الدولي والمانحين.
البطالة وهجرة الشباب
وتسبب تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس بآلاف الشباب إلى الهجرة غير الشرعية، ويُلقي الكثير من الشباب اليائس بأنفسهم في قوارب الموت، وتتفاقم ظاهرة الهجرة السرية بشكل غير مسبوق، نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية، وبفعل توترات اجتماعية وأمنية وسياسية
كان وزير المالية التونسي علي الكعلي قد أكد خلال الأسابيع الماضية أن "الوضع الاقتصادي في تونس صعب وصعب جدا واذا لم نقم بالإجراءات السريعة واللازمة لتنشيط الاقتصاد الوضعية ستكون أصعب".، مشيرا إلى أن تونس في حاجة لقانون مالية تعديلي وسيتم تقديمه للمجلس في الأيام القادمة.
وطالب وزير المالية التونسى الشهر الماضى بالتصويت على أرجاء النظر في مشروع القانون المتعلق بإنعاش الاقتصاد وتسوية مخالفات الصرف إلى جلسة قادمة لتحسين فصول المشروع تفاعلا مع ملاحظات النواب.
وتشهد تونس خطوات متسارعة إثر حالة من الغضب الشعبى ترجمته العديد من الاحتجاجات التي ضربت العديد من المناطق في البلاد، احتجاجا على السياسات التي تتبناها الحكومة برئاسة رئيس الوزراء هشام المشيشى، والبرلمان الذى تهيمن عليه حركة النهضة، خاصة مع التفشى الكبير لوباء كورونا، والتردى الكبير الذى شهدته الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما دفع إلى المطالبة بمحاسبة الحكومة، والبرلمان ورئيسه راشد الغنوشى.
ولعل المطالبات الشعبية لم تستغرق الكثير من الوقت، حتى تجد استجابة سريعة من قبل الرئيس التونسى قيس سعيد، والذى اتخذ عدة قرارات، عبرت فى حقيقتها عن نبض الشارع، وعلى رأسها تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب استنادا إلى الفصل 80 من الدستور، في خطوة ربما تمهد للمحاسبة، كما قرر إعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه، كما ترأس اجتماعا طارئا للقيادات العسكرية والأمنية.