أى متابع للشأن التونسى يعرف أن الصدام بين الرئيس قيس سعيد من ناحية، وحركة النهضة وتنظيم الإخوان من ناحية أخرى، كان متوقعا، بحكم المعرفة بتنظيم الإخوان متمثلا فى حركة النهضة، وحتى أزمة انهيار النظام الصحى، وكورونا، فقد ساهما فى تسريع حدوث الصدام، والذى يأتى نتيجة لتعطيل دواليب العمل فى الدولة، وممارسة نوع من الحصار والعرقلة المتعمدة.
تونس تمر بمرحلة انتقالية تجاوزت العشر سنوات، منذ واقعة انتحار «البوعزيزى» وتحولات الربيع العربى، ظلت تونس تدور حول نفسها بسبب وجود حركة النهضة، والتى قدمت نفسها باعتبارها استثناء من تجارب تنظيم الإخوان بنتائجه الكارثية.
تجربة «النهضة» لم تختلف كثيرا، بدأت بإعلان استعدادها للمشاركة مع التيارات المختلفة، وانتهت إلى محاولة السيطرة وتعطيل العمل فى الدولة، وتفصيل دستور ينتزع سلطات الرئيس المننتخب طالما لم يدخل فى طاعة الجماعة، فعلوا ذلك مع الرئيس السابق الباجى قائد السبسى، لكن امتلاك حزب «نداء تونس» للأغلبية فى البرلمان نجح فى تحجيم التنظيم، ومع انتخاب الرئيس قيس سعيد، بدأ التنظيم بتأييده، وسرعان ما انقلب عليه وحاول حصاره بعد إعلان الرئيس أنه مستقل ويعمل لصالح تونس، ويرفض الدخول فى طاعة التنظيم.
كان وجود حركة النهضة بأطماع الإخوان كافيا لإنتاج نسخة مشوهة من العمل السياسى، تقوم على أكلاشيهات تتجاهل أن الديمقراطية وسيلة وليست غاية، أو مجرد شعارات جاهزة، هذه النسخة المشوهة انتهت إلى أن يكون الرئيس - المنتخب بنسبة 76 % وبأغلبية مؤكدة - منزوع الصلاحية، فى مواجهة حركة النهضة غير الحاصلة على نفس الأغلبية، والتى تتحكم فى السلطة التنفيذية بما يؤدى إلى شلل الدولة، وتعطيل أى محاولة من الرئيس قيس سعيد لإنقاذ تونس.
حركة النهضة عطلت دواليب الدولة التونسية، لتؤكد أن تنظيم الإخوان طالما وُجِد تفقد أى تجربة قدرتها على النمو وتجاوز المرحلة الانتقالية وتسقط فى فخ الصراع، تونس طوال أكثر من 10 سنوات لم تنجح فى استعادة توازنها الاقتصادى والسياسى، وبقيت فى سفح الأزمات، تراوح مكانها، غير قادرة على تحقيق استقرار يسمح بنمو اقتصادى أو تنمية، ورغم ثبات عدد السكان عند 11.5 مليون تقريبا لم تستطع تحقيق نمو اقتصادى بأى نسبة، ومعروف أن نسبة النمو الاقتصادى وصلت إلى 7 % قبل ثورة الياسمين، لكنها لم تمنع الثورة على الفساد والإطاحة بالنظام، لكن 10 سنوات لم تكف لاستعادة النمو بأى نسبة، وبسبب الإرهاب، ثم كورونا، فقدت تونس جزءا أساسيا من الدخل القومى من السياحة، مع تراجع اقتصادى متعدد. الديمقراطية ليست غاية، لكنها وسيلة لإسعاد البشر وتحقيق الرفاهية والمشاركة السياسية، والعدالة الاجتماعية والاقتصادية باستثمارات وفرص عمل وتنمية تحقق نسب نمو، والدساتير فى الدول تعبر عن توازن القوى الفاعلة فى المجتمع، وبما يسمح بسيولة البناء وسرعته لتعويض مراحل الركود أو التوقف، لكن تونس قضت 10 سنوات فى مرحلة انتقالية لم تغادرها.
ورغم انتخابه بالأغلبية مباشرة من الشعب التونسى، استمر الرئيس قيس سعيد يواجه غياب صلاحياته، وظل يرى أن تونس تواجه التراجع الاقتصادى وشبح الانهيار، بل وتفقد قدرتها على مواجهة تداعيات فيروس كورونا، من دون أن يستطيع التدخل، فى وجود رأسين متعارضين للنظام، مع احتفاظ حركة النهضة بجينات الإخوان، المعطلة، وانتماءاتها للتنظيم الدولى.
اضطر الرئيس قيس سعيد لاتخاذ إجراءات دستورية يمنحها له الدستور، استنادا للفصل 80 الخاص بالإجراءات الاستثنائية فى أوقات الكوارث والطوارئ، الرئيس قيس سعيد اتخذ قرارات لحماية الدولة التونسية، ثم إن «اتحاد الشغل» الذى يعد أكبر منظمة نقابية فى تونس، أصدر بيانا اعتبر قرارات الرئيس دستورية، ولم يخرج عن الشرعية، وسط الفشل الحكومى الذى نبه له الاتحاد.
أيضا فإن الموقف الأوروبى والأمريكى واتحاد الشغل، لا يعتبر أن الرئيس التونسى خرج عن الشرعية، بل إنه تحرك من واقع مسؤوليته لحماية تونس وعدم تحولها إلى دولة فاشلة.
حركة النهضة وتنظيم الإخوان ومنظماتهما التابعة، أعلنت الحرب على الرئيس التونسى، ورددت مزاعم عن الشرعية من دون أن تعترف بأنها سبب الفشل وتعطيل الدولة، الجماعة السياسية والشعب التونسى فى اختبار تاريخى، لقد تحرك الرئيس قيس سعيد، والأمر الآن فى يد الشعب التونسى، الذى يقف مع الرئيس ومع الدولة التونسية، لاستعادة توازن نظام رئاسى ينهى ازدواج القيادة، ويعيد للدولة قوتها للخروج من هذا النفق.