ست صفات هى «الأخ، الأب، الصديق، الفنان، الثورة، الإنسان» أطلقها الفنان محمد منير فى نعيه للشاعر عبدالرحيم منصور، المنشور بالأهرام، 31 يوليو، مثل هذا اليوم، 1984، بعد ثلاثة أيام من وفاته.. تكون النعى من سبعة سطور، تبدأ بعبارة: «بمزيد من الحزن والأسى ينعى محمد منير».. وتنتهى بالدعاء للفقيد بالرحمة والمغفرة، وتتوسطها الصفات التى تلخص عمر المسيرة التى جمعت الاثنين، وفى أسرارها، أن «منصور» الأقدم فى مجيئه إلى القاهرة أوائل ستينيات القرن الماضى، و«منير» الأحدث بمجيئه فى النصف الأول من السبعينيات ليلتحق بكلية الفنون التطبيقية.
حين حضر «منير» إلى القاهرة كان «منصور» على جدارته كشاعر عامية، وممن يتربعون على قمة الشعر الغنائى بكلماته، وكان بليغ حمدى أكثر ملحنيها ليغنيها كبارا مثل عبدالحليم وشادية ومحمد رشدى ونجاة، ورغم ذلك انتظر «منير» كحالة، ولما وجده طاف به فى كل مكان.. يذكر الكاتب الصحفى مصطفى حمدى فى حلقات «أنا الملك، أسرار السنوات المجهولة»: «التحق منير بكلية الفنون التطبيقية، كانت سنواته الأولى فى القاهرة بمثابة دراسة عملية لشوارع القاهرة وتجمعاتها الثقافية وحكايتها وناسها، ولهذا وصفه أصدقاؤه وقتها بجملة نوبية هى «درباد - ن أوى - قاكا بافى»، أى أنه «أكل رجل الدجاجة» كناية عن كثرة المشى.. كثرة المشى والسعى وطرق الأبواب ألقته بين يدى الشاعر عبدالرحيم منصور، الذى وجد فى هذا الشاب الثورى ضالته، أول كلمة وصفه بها منصور كانت «الرماح» وهو لقب انتشر بين آباء منير الأوائل».. يؤكد حمدى أن «منصور» اعتبر «منير» قضيته «الصوت الذى سيعبر به عن الناس، تشاركا سويا الخبز والدخان وجلسات الحكى فى مقاهى وحانات وسط القاهرة..طافا شوارعها سويا، لم يتركا شبرا إلا ونهلا بعينيهما وروحهما فيه».
كان الشاعر مجدى نجيب صديقا قريبا من «منصور» وممن كتبوا لمنير فى البدايات.. يشهد فى كتابه «من صندوق الموسيقى.. زمن الغناء الجميل» بأن منصور كان يعتبر منير «مثل ولده يجوب به أماكن الصعلكة فى جلسات المثقفين والصحفيين، وتنبأنا جميعا بأنه الجديد القادم من جنوب مصر لتجديد دماء الأغنية، وخروجها من مأزق التكرار، لتكون أكثر ارتباطا وتعبيرا عن الناس وحياتهم».كان الموسيقار هانى شنودة ممن ساهموا فى تأسيس وصياغة مشروع منير الغنائى، لكنه يشهد فى مذكراته «مذكرات عراب الموسيقى هانى شنودة» إعداد «مصطفى حمدى»: «للأمانة لو هناك أب روحى حقيقى لمحمد منير فهو عبدالرحيم منصور الذى جاء به وصاغ مشروعه الفنى عبر كلماته التى كانت متمردة وسباقة ومستشرفة للمستقبل..عبدالرحيم صنع من منير صوتا للمثقفين، خاطب به الشباب الجامعى والأدباء، والكتاب، ونثر بذور شعبية فى هذا المجتمع الكبير، شكل من الشاب الثورى الخجول أحيانًا، وصاحب الدم الحار فى أحيان أخرى ظاهرة يتحدث عنها الجميع».
يضيف شنودة: «منير كان فى بداياته متحمسا جدا متعطشا للنجاح والشهرة والغناء والتعبير عن أفكاره التى كانت فى الأصل أفكارنا، لأنه شاب صغير تشبع بما يقوله عبدالرحيم منصور وصلاح جاهين.. تشكلت شخصيته فى صالوناتهما، وجلسات الطرب والدردشة فى الفن والموسيقى والسياسة أحيانا، وحتى هيئة منير وملابسه التى كونت جزءا كبيرا من شخصيته الفنية تشكلت بنصائحنا».
يتذكر شنودة أول ألبوم لمنير «أمانة يا بحر»: «على مستوى الكلمات، كانت لى رؤية فى تجربة منير، وهى أن يغنى كلمات أشمل من الغناء الرومانسى التقليدى، كل المطربين كانوا يغنون للرموش والعينين والشفايف والحب والهجر والخيانة والسهد والسهر إلى آخره، إذن ما المختلف فى منير؟».. يجيب: «بالطبع الغناء للناس ومشكلاتهم وحياتهم، وكانت هذه نظرتى لتطوير الأغنية المصرية، وهو ما فعلته مع فرقة «المصريين» بعدها، عندما قدمنا الأغنية الاجتماعية فى أول أشرطتنا».. يضيف: «بدأ منصور فى كتابة الأغانى، حتى وصلنا إلى أغنية «أمانة يا بحر» فاقترحت عليه أن يكتب عن الحب المطلق دون توصيفات جسدية حتى تتحول الأغنية إلى أيقونة تخاطب المستمع فى كل المجالات.. يمكنك اعتبارها رسالة للوطن أوللأم، أو للابنة، أو للحبيبة أو للأصدقاء، وتعمدت موسيقيا أن أستخدم مؤثرات تعكس معنى الكلمات حتى أن عبدالرحيم قال لى: «أنت خليت الناس تحس بالموج وهو بيبوش خشب المراكب».
فى مشروع «منير» أغنيات كثيرة لمنصور منها «شجر اللمون، اتكلمى، الحقيقة والميلاد، الكون كله بيدور، أمانة يا بحر، برىء، بتتولد، حاضر يا زهر، حدوتة مصرية، يا ليلة عودى تانى، شمس المغيب، ضل الطريق، فى عينيكى، قول للغريب، ع المدينة، عروسة النيل، عطشان، علمونى عينيكى، ربك هو العالم، إيه يا بلاد يا غريبة، وغيرها».. يذكر منير فى برنامج «صاحبة السعادة»: «عبدالرحيم منصور كان شقى وجميل، وكتب لى كلام أغانى كثيرة وهو من علمنى الاختصار، وكان مختلف ومتجدد وصاحب رؤية معاصرة جدا».