هل ارتفعت نسب الجرائم فى مصر؟ هل أصبحت الجرائم العائلية جزءا من خرائط الجريمة فى المجتمع؟ هل ارتفع معدل الجريمة فى مصر عن بقية دول العالم؟ أم أنها نسبة عادية مقارنة بحجم السكان؟ وهل يستحق كل هذا الدراسة؟ ثم إن أغلبية المصريين يعيشون حياتهم الطبيعية وبينهم قصص كثيرة من الوفاء والمساندة والتضحية وسط مجتمع متعدد يضم أكثر من 100 مليون مواطن.
كل هذا وغيره مطروح على ألسنة معلقين، تطرحه الصحف والمواقع الإخبارية والتواصل الاجتماعى، وهذه نقطة جعلت النشر والتكرار يصنع صورة مجتمع متوحش على عكس الحقيقة، لسنا فى معرض إنكار لهذه الجرائم، أو تقليل من خطرها وأهمية دراستها وفحصها وتحليلها، لكننا نرصد تزيدا ومبالغة فى عمليات النشر، لإرضاء غرائز المتابعة، بينما يفترض أن يكون هناك توازن فى النظر لهذه النوعية من الجرائم، خاصة أن هذا النوع من الجريمة ليس جديدا، ويمكن مراجعة أرشيف الصحافة والإعلام على مدى ثلاثة عقود. هناك دراسات وأبحاث، فى هذه الفترات من قبل مراكز اجتماعية، ترصد المجتمع وتحلل تركيبته ونوعيات الجرائم وأسبابها، وتصدر توصيات يمكن أن تفيد فى عملية المواجهة.
لا يمكن أيضا تجاهل أن مصر دولة كبيرة ومجتمعها متسع، النشر فيه متاح بشكل واسع، بينما مجتمعات أخرى تعتم على الجريمة، والنتيجة أن من يتابعون بالخارج يرسمون صورة غير حقيقية للمجتمع المصرى، بينما الطبيعى أن تكون الصورة متوازنة.
من دون تهويل أو تهوين، هناك جرائم تمثل 1 أو أقل فى المليون، بينما الـ100 مليون ليسوا داخل هذه الدائرة، لكنهم يجدون أنفسهم فى صورة غير حقيقية، وهو سؤال ربما نكون بحاجة للإجابة عنه.
لدينا المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، الذى يضم أعدادا من الباحثين الاجتماعيين الكبار، وأساتذة وخبراء يرصدون شكل الجريمة وتطورها وأسبابها وتفسيراتها، وخلال التسعينيات من القرن العشرين، كانت وزارة الداخلية تصدر سنويا تقرير «الأمن العام»، الذى يسجل إحصائيات وأرقاما تتعلق بعدد الجرائم وأنواعها وتحليلها، كان يوزع على مستوى واسع، ويتاح للصحافة والباحثين والجامعات، لكنه توقف مع نهاية التسعينيات، وأصبح مقصورا على المسؤولين بالوزارة، وهو يمثل قاعدة مفيدة ومهمة للباحثين والمحللين والخبراء، فضلا عن كونه يقدم معلومات حول معدلات الجريمة مقارنة بمراحل وفترات أخرى.
الظاهر الآن أن عمليات النشر والتحليل تتم على صفحات التواصل، التى تتحول إلى مجال للاستعراض أكثر منها للمعرفة، ونرى البعض يعينون أنفسهم قضاة ومحللين من دون امتلاك الأدوات، ويصدرون أحكاما على المجتمع لا علاقة لها بالواقع والمعلومات والأرقام، بل إن هناك مواقع على وسائل التواصل تنشر جرائم قديمة من سنوات للمشاركة فى موسم النشر، وهو أمر يضاعف من نقل صورة غير صحيحة.
عدد من خبراء الاجتماع يرون أن الجريمة فى مصر مثل بقية المجتمعات، وأن التطورات الاقتصادية والاجتماعية تقود إلى نوعيات من الجريمة تتطور حسب السكان وأعدادهم، ويعرف العاملون فى الصحافة والإعلام أن مصر من الدول التى تغطى فيها الصحافة أخبار الجريمة بتوسع، على عكس مجتمعات عربية تفرض نوعا من التعتيم والحظر على نشر الجرائم، الأمر الذى يظهر هذه المجتمعات بنسب جريمة أقل بما يخالف الواقع، فى المقابل، من يتابع حجم ونوعيات الجرائم فى الولايات المتحدة الأمريكية يكتشف تضاعف حوادث القتل الجماعى، وإطلاق النار على مدارس أو اقتحام محلات أو السرقة بالإكراه، بشكل يفوق دولا أخرى، وهى نسب يراها خبراء الجريمة نتاجا لكون الولايات المتحدة مجتمعا مفتوحا للمهاجرين، هذا بجانب التفاوت الاجتماعى والاقتصادى، لسنا فى موقع مقارنة، لكن هذه المعدلات يفترض وضعها فى الاعتبار، فنحن نعالج الجريمة فى مصر.
من عناوين الصحف والمواقع اليومية يمكن رصد مواسم، يتم فيها تسليط الضوء على الجرائم، والتوسع فى النشر، ومؤخرا كان التركيز على الجرائم العائلية، ولو رجعنا قبل سنوات لوجدنا أرشيف الإعلام سجل جرائم تقع فى نطاق الأسرة، من زوجات وأزواج، آباء وأمهات، أبناء وأحفاد، موزعة على محافظات مصر، وأغلب هذه الجرائم تكشفها أجهزة الأمن، وتتعامل معها وتحيل مرتكبيها للتحقيق والقضاء، بعض التعليقات ترى أن هناك نوعيات من الجرائم لم يكن المجتمع المصرى يعرفها، والبعض يراها نسبة مرتفعة، بينما يراها آخرون طبيعية، مقارنة بعدد السكان وتعقد الحياة، وهى جرائم لا ترتبط بالطبقة الاجتماعية أو التعليم أو المستوى الاجتماعى والاقتصادى، فلا يمكن أن يكون الفقر وراء الجريمة.
هناك تحولات فى المجتمع ارتبطت بتغييرات اجتماعية واقتصادية، فتصاعدت الطموحات والأطماع والاختلالات النفسية والعقلية، التى تصنع مجرما، وهو أمر فى سياق مجتمع الـ100 مليون.