فى عصر التكنولوجيا الرقمية والتدفق المعلوماتى، أصبح الإنسان فى مهب المعلومات والأخبار والشائعات، وأصبحت واقعا بميزات كثيرة وعيوب متعددة، لكنها فى الأهم تتعامل مع الوعى والعقل، ووسط الزحام تتدفق الأخبار الحقيقية مع المزيفة والمغسولة، ومستخدم الشبكات الرقمية ومواقع التواصل معذور وهو يتابع مئات التقارير والبوستات المنسوبة لمراكز أو جهات تخبره بكلام يتناقض مع بعضه ومع سابقه، وبقدر ما تسهم مواقع التواصل فى نشر الأخبار فهى أيضا مجال لمنصات موجهة وتستهدف الوعى، ومنها الأفكار الخاصة بالدين، حيث شاعت خلال السنوات الأخيرة أعداد ضخمة من المنصات تنشر فتاوى وآراء دينية متطرفة، فضلا عن أن عصر التليفزيون والكاسيت كان بداية لبناء شبكات تنشر التكفير والطائفية، بل وترسم صورة واحدة للعقائد تفتقد إلى التسامح.
لقد نجحت التنظيمات المتطرفة على مدى سنوات فى الاستفادة من عصر التقنية، فى إقامة منصات تلقى بفتاوى وآراء متشددة، بل إن تنظيم الإخوان وحده امتلك مئات المواقع والمنصات التي كانت تختفى خلف واجهات معتدلة بينما هي تنشر التطرف، ونجحت تنظيمات مثل القاعدة وداعش فى تسويق نفسها بين المراهقين وأنصاف المتعلمين، ونجحت فى تجنيد الآلاف من خلال دعايات لا علاقة لها بالواقع، بل نجحت هذه المنصات فى اختراق وتجنيد شباب من أوروبا ودول متقدمة لصالح التنظيم وحولتهم إلى قتلة وإرهابيين.
وأصبحت معركة الوعى والخطاب المعتدل هي النقطة الأهم لإنقاذ ملايين الشباب من مصائر سوداء، وكان الحديث عن تطوير الخطاب الدينى مصحوبا بتجارب لبناء شبكات حديثة تستخدم التكنولوجيا فى تبسيط الأفكار ونشرها بالطرق والوسائل التى تجعلها قابلة للانتشار، فى مواجهة منصات محترفة.
ومن بين الجهات التى انتبهت إلى هذا كانت دار الإفتاء، التى حرصت على بناء شبكات معلوماتية باللغة العربية واللغات الحية، لتوصيل الأفكار ونشر الفتاوى الصحيحة، ومن هنا تأتى أهمية المؤتمر العالمى السادس، الذى تنظمه الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، تحت عنوان "مؤسسات الفتوى فى العصر الرقمى.. تحديات التطوير وآليات التعاون" ، بحضور وفود من خمس وثمانين دولة يمثلون كبار المفتين والوزراء والشخصيات العامة، ونخبة من القيادات الدينية وممثلى دور الإفتاء على مستوى العالم، والذين استقبلهم الرئيس عبدالفتاح السيسى.
المؤتمر يناقش فكرة الاتفاق على آليات التعاون بين دور وهيئات الإفتاء فى سبيل تحقيق الأهداف المشتركة والمشاركة فى معالجة تحديات التطور التقنى والدخول بالمؤسسات الإفتائية إلى عصر الرقمنة عبر دعم التحول الرقمى.
فضيلة المفتى الدكتور شوقى علام، تحدث عن استجابة دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة وعلمائها حول العالم، لدعوة تجديد الخطاب الدينى وتحويلها إلى برامج عمل علمية وخطط مشروعات موسوعية وبحثية، بينما تحدث الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالنيابة عن رئيس الوزراء، مؤكدا أن التكنولوجيا الرقمية أصبحت ركيزة أساسية للمجتمعات والدول لتسريع خطواتها فى بناء نهضتها القائمة على المعرفة، وأن الدولة هيأت جميع الإمكانات للنهوض بسائر منظومات العمل وأهمها بناء مصر الرقمية كاستراتيجية ترتكز على أن تكون تكنولوجيا المعلومات مكونا أساسيا فى كل مناحى الحياة، بما يتيح لجميع مؤسسات الدولة أداء رسالتها فى ظل تخطيط واعٍ ورؤية واضحة، وأن الدولة المصرية بجميع مؤسساتها، وخاصة وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لن تدخر جهدا فى توفير جميع الأدوات العلمية والتقنية لمساعدة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى سعيها نحو دعم البنية التكنولوجية والتحول الرقمى لسائر مؤسسات الفتوى فى العالم.
وتطرق الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إلى أهمية التفرقة بين العلماء والمدعين فى مجال الفتوى، من يدعون أنهم دعاة وهم ينشرون الفتنة، بينما قال الدكتور عبدالرحمن الزيد، الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامى، إن العالم يشهد تطورات متتابعة في التقنية الرقمية جعلت التواصل بين العلماء أمرا يسيرا، وأن المجامع الفقهية مدعوة إلى إعمال مبدأ الشورى والتكامل بينها بتوظيف التقنيات
وتوسيع دائرة التواصل وإعمال الرأى للخروج من مأزق الفتاوى الفردية إلى رحابة الاجتهاد الجماعى.
لقد كان المؤتمر مناسبة للتأكيد على أن معركة الوعى طويلة، وتستحق أن تستفيد من عصر المعلومات فى بناء منظومة قادرة على المنافسة والتسويق بالسبل الحديثة.