ـ مبدأهم فى الحياة.. ليس هناك عمل يدعو للخجل
ـ أمير: معظم السوريين فى المطعم حاصلون على شهادات مرموقة وعلينا تجاوز الظروف
ـ مصرى أععجب بحلويات خالد فعرض عليه شراكة فى محل بالمجهود
ـ حازم بدأ فى مصر بائع خضار
"ولا تجزع لحادثة الليالى... فما لحوادث الدنيا بقاء... وكن رجلا على الأهوال جلدا".. هكذا تحدث الإمام الشافعى منذ أكثر من 12 قرنا، للتأكيد على ضرورة التحلى بالصبر عند مواجهة الشدائد، وكأن الشافعى يرى ما يحدث للشعب السورى اليوم، الذى يتعرض إلى محنة حقيقية جعلته يترك وطنه ويعرف لأول مرة فى تاريخه طريق الهجرة، بحثا عن الحياة والرزق والأمن المفقود فى بلاده منذ اشتعال الأحداث فى سوريا من 5 سنوات.
داخل مصر، التى يستقر فيها 350 ألف سورى بحسب وزارة الخارجية، كان هناك العديد من هذه النماذج، ممن رفضوا الاستسلام للظروف الصعبة التى مرت بها بلادهم، وتجاوزوا معاناة الغربة وترك الأهل وملاعب الصبا، ليقدموا تجارب ناجحة فى بلد كمصر تصل فيه نسبة البطالة إلى 21.8 من إجمالى قوة العمل بحسب تقارير الجهاز المركزى للإحصاء.
فى أحد المطاعم السورية بمنطقة الدقى يقف حازم إبراهيم، وسط زملائه فى المطعم، يمارس عمله بنشاط بالغ فى تجهيز الوجبات لزبائن المطعم أو للديفلرى، الذى سيقوم بتوصيلها إلى المنازل، دون الالتفات إلى الحرارة الشديدة المنبعثة من الشواية التى يقف أمامها.
حازم هو شاب فى الثلاثين من عمره كان يعمل طبيبا للأشعة فى أكبر مستشفيات سوريا، وتحديدا فى مستشفى "المواساة " داخل دمشق، رحل عن العاصمة برفقة أسرته منذ أكثر من 3 سنوات بعد اندلاع أحداث العنف، ليستقر فى القاهرة ويبدأ بعدها رحلة عمله كبائع خضار، إلى أن وجد عمله الأخير داخل المطعم، ليستطع معه توفير مسكن لأسرته وتذوق طعم الاستقرار مجددا.
يقول حازم ":" العمل فى مصر متوفر ولكن يجب التمسك بالبحث وعدم الخجل من امتهان أى مهنة طالما كانت شريفة، حتى لو كان الدخل المادى فى البداية قليل، لأن ذلك سوف يتيح أمامك فرص أخرى فى الحصول على دخل مادى أكبر مستقبلا".
ويضيف:"فى بداية الوصول والاستقرار فى مصر واجهنا العديد من الصعوبات، كان على رأسها ضرورة التكيف مع الظروف الجديدة ونسيان الوضع الاجتماعى المميز الذى كنا نعيشه فى سوريا من خلال السكن فى منزل كامل والسيارات الخاصة بى وبزوجتى، ومن أجل أن تستمر حياتنا قبلت بأول فرصة عمل، وهى بائع خضار مقابل يومية بسيطة، وبعدها انتقلت بين عدة أعمال كانت تتيح دخلا ماديا أكبر، حتى استقررت فى أحد المطاعم السورية بمنطقة الدقى، والذى حاز شهرة واسعة على الرغم من مرور عامين فقط على افتتاحه".
بجوار حازم كان "أمير" يعمل فى قسم المعجنات بمهارة فائقة بما يوحى بأن خبرته فى هذا العمل تمتد إلى سنوات طويلة، إلا أن الحقيقة أنه اكتسب هذه المهارة بعد قدومه إلى مصر، حيث كان الشاب يعمل طبيب تحاليل فى سوريا إلى جانب دراسته للماجستير هناك، والتى تخلى عنها بمجرد وصوله إلى مصر بسبب الحاجة إلى فرصة عمل تمكنه من الإنفاق على أسرته المكونة من زوجته وطفله الذى لم يتعد عمره بضعة أشهر.
يتذكر أمير البالغ من العمر 30 عاما رحلته من سوريا إلى مصر والظروف الصعبة التى مر بها واضطر بسببها إلى بيع منزله الخاص وسيارته هو وزوجته التى كانت تمتهن المحاماة فى سوريا، من أجل توفير الأموال اللازمة للوصول إلى القاهرة.
يقول أمير: "بمجرد وصولنا القاهرة كان على تدبير احتياجات الأسرة من مسكن وغذاء، وهو أمر لم يكن سهلا خاصة فى ظل نفاد ما أملك من أموال بسبب رحلة القدوم إلى القاهرة، فضلا عن عدم وجود أى معارف لى بها، وهو ما تسبب فى بقائى لمدة 4 شهور بدون أى عمل، إلى أن اتيحت عدة فرص ولكنها لم تكن مستقرة ولكنى قبلت العمل فيها حتى استطيع الحصول على أى مبالغ مالية من أجل الوفاء بمتطلبات الحياة اليومية، إلى أن استطعت الالتحاق بالمطعم الحالى الذى أعمل به".
ويؤكد أمير على ضرورة عدم الاستسلام للظروف والبكاء على الذكريات ـ بحسب وصفه ـ وهو ما عبر عنه بقوله " معظم السوريين العاملين فى المطعم من أصحاب الشهادات العليا والذين كانوا فى مناصب مرموقة فى سوريا، ولكن جميعنا يدرك أن علينا تجاوز الظروف الصعبة حتى يستقر الحال بنا".
معتز مغربى "شيف السلطات" داخل المطعم، والذى يحرص على وضع اللمسة الجمالية للأطباق التى يقوم بإعدادها بجانب الابتسامة المرسومة على وجهه باستمرار برغم ضغط العمل.
الشباب العشرينى الذى كان ينتمى فى السابق، إلى طبقة الأثرياء،حيث كانت أسرته تمتلك 5 مطاعم موزعة فى أنحاء دمشق، تعرض بعضها للدمار أو لأعمال النهب ـ اضطر هو وعائلته إلى النزوح إلى القاهره والبدء من نقطة الصفر.
يقول معتز:" برغم سماعى المتكرر عن صعوبة فرص العمل داخل القاهرة ولكننى استطعت الحصول على عمل منذ اليوم الأول، ولم التفت إلى مسألة بعد المكان عن السكن الذى أعيش فيه أو قلة المبلغ المالى الذى أتقاضاه، وهو ما أكسبنى خبرة اضافية أتاحت لى التعرف على فرص عمل بمميزات أعلى".
على بعد عدة أمتار من ذلك المطعم كانت هناك قصة نجاح أخرى تستحق التوقف أمامها، وهى قصة محمد خالد المحاسب السورى الذى رحل من بلده إلى مصر بعدما تسببت أعمال القتال فى سوريا فى ترك وظيفته وخسارة مصنعه، حيث كان يقوم بتصنيع الكراسى المكتبية بجميع أشكالها، وهو ما كان يدر عليه أرباحا هائلة هو ووالده الذى تدهورت حالته الصحية بعد رحيله عن بلاده، حيث أصيب بالعديد من الأمراض التى تطلبت علاجا شهريا يتخطى مئات الجنيهات شهريا.
يقول خالد:" كانت فى البداية الأمور صعبة للغاية خاصة بعد خسارتى كل شيء تقريبا وظيفتى ومصنعى الذى شيدته مع والدى بعد مجهود ضخم، حتى صار من أشهر المصانع العاملة فى مجال الكراسى المكتبية، وهو ما يعنى البدء من جديد، ولم يكن أمامنا سوى تجاوز هذه المحنة والبحث عن أى فرصة عمل، وطبعا لا يوجد مجال للاختيار أو التردد، لذلك قبلت العمل فى ورش صغيرة وانتقلت بعدها إلى عدد من المصانع حتى استطيع العيش أنا وأسرتى".
كانت نقطة التحول فى حياة خالد هى اتجاهه إلى تصنيع بعض الحلويات التى تشتهر بها سوريا، والتى حازت على إعجاب الأهالى فى الدقى، ومنهم أحد السكان الذى عرض عليه مشاركته فى أحد المحال بالمجهود فقط، على أن يتم اقتسام الأرباح بينهما بالتساوى، وهو ما يقول عنه خالد: "كنت فى البداية أعرض ما أقوم بتصنيعه من الحلويات السورية على أحد المناضد الخشبية فى شارع الدقى، وبعدها فوجئت بعرض مقدم لى من أحد الزبائن الذى كان يتردد على باستمرار بمشاركته فى افتتاح محل بالمجهود فقط ".
بلهجة لا تخلو من الفخر يقول خالد: " كل اللى فى المحل من تصنيعى بداية من اللافتة إلى الأرفف والدهان ،لم نحتج إلى أى عامل وإن شاء الله المحل يكبر ونعوض اللى فات".
ويروى أحمد فهمى – الشريك المصرى لخالد فى محل الحلويات – بداية تعارفه به بقوله: "خلال ذهابى إلى العمل لفت نظرى وجود أحد الشباب الذى يقوم بعرض المنتجات السورية، والتى أخذت منها للمنزل على سبيل التجربة ولفت نظرى جودتها، وهو ما دفعنى إلى التفكير فى افتتاح أحد المحال لبيع المنتجات السورية على أن اقوم بتحمل كافة التكاليف ودخول خالد كشريك بالمجهود فقط، ثم يتم اقتسام الأرباح بالتساوى".