مر شهر يوليو، والأسبوع الثانى من أغسطس عام 1970 على مصر دون أى موجة حارة، وكانت ظاهرة غريبة ومحيرة، ما دفع «الأهرام» إلى مناقشتها فى تحقيق، يوم 10 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1970.
ولأن مصر تشهد حاليا موجات حر غير مسبوقة، نعيد ما طرحته «الأهرام» قبل 51 عاما، وفيه أن انخفاض الحرارة وصل إلى حد أن بعض المصطافين فى الإسكندرية يرتدون الملابس الثقيلة نوعا فى الليل، وأن الحرارة فى الوجه البحرى أو الصعيد نموذج فريد لما حدث، فأكبر درجة فى يوليو بالإسكندرية 31 درجة مئوية، وكانت فى معظم الأيام 30 درجة، وفى بورسعيد 32 درجة، بينما معدلها العادى 34 درجة، وفى القاهرة كانت أكبر درجة 38، بينما المتوسط هو 35.4 درجة، وكانت أسوان الأعلى بـ44 درجة مئوية، بينما المتوسط 42 درجة، أى بزيادة درجتين.
تذكر «الأهرام» أن هذه الأرقام تعنى أن معظم أيام هذا الصيف كانت درجة الحرارة حول المعدل، وأحيانا كثيرة أقل من متوسط درجات الحرارة العظمى، وأكبر زيادة عن المعدل لم تكن بأكثر من 4 درجات، ودائما أقل من المعدل بدرجتين.
استطلعت «الأهرام» رأى الخبراء فى هذه الظاهرة.. قال الدكتور سعد الدين حرب، مدير إدارة المناخ، إن متوسط عدد موجات يوليو الحارة يتراوح بين 3 و6 موجات، وهو رقم ينطبق أيضا على أغسطس، ولكن ابتداء من يوليو إلى 7 أغسطس لم تصل سوى موجة واحدة لم تستطع أن ترفع عامود الزئبق فى ترمومترات الحرارة أعلى من 38 درجة، وكان المفروض أن يكون مر بنا 7 موجات، وتستمر كل موجة ما بين يوم ويومين وثلاثة أيام أحيانا، تقفز فى أثنائها درجة الحرارة إلى ما فوق الأربعين، ولم نر شيئا من هذا فى الصيف الحالى.
تشير «الأهرام» إلى أن الغالبية لم تشعر بظاهرة عدم قدوم الموجات الحارة، لأن الرطوبة جاءت أعلى من نسبتها العادية لتصبح المشكلة مشكلتين والظاهرة ظاهرتين، ويؤكد الدكتور فرج محمد على هذه الحقيقة بالإشارة إلى الأرقام، حيث كانت الرطوبة فى معظم الأحيان فوق المعدل.. زادت عن معدلها فى مطروح بـ11 %، وفى القاهرة بأكثر من 25 % كما حدث فى يوم 3 يوليو بالذات، وفى أسوان زادت بأكثر من 24 %.
جاء أغسطس ليطرح علامة الاستفهام المتأرجحة أمام خبراء الأرصاد، حيث سجلت مؤشرات الحرارة فى اليومين الأولين 34 درجة، والثالث حتى السادس 33 درجة مئوية، مع أن المتوسط المفروض هو 34.8 درجة، وزادت الرطوبة، أول أغسطس كانت 64 %، و2 أغسطس 62 %، و3 أغسطس 66 %، وثبتت فى الرابع والخامس والسادس عند 62 %، ولما كان المفروض أن تكون فى حدود 56 % فإن معنى هذا أنها حققت زيادة فى بعض أيام أغسطس 10 %، والسر فى ذلك يذكره الدكتور عبدالحميد طنطاوى، مدير مركز التحاليل الرئيسى، قائلا: إن التوزيع المناخى لمنطقة الشرق الأوسط فى الصيف يتميز بتوزيعات قياسية للضغط الجوى، ففى شمال غرب الهند منخفض جوى شبه دائم يدفع بموجاته الحارة عبر الشريط الطويل إلى السعودية، ثم إلى شمال السودان، حيث يوجد المنخفض الموسمى الآخر الذى أشبه ما يكون بشقيقه التوأم.
أما فوق البحر المتوسط فيوجد مرتفع جوى.. يضيف طنطاوى: «من هذا المنخفض وذلك المرتفع وهما أهم ما يميز شهور الصيف من توزيعات، تتحدد التيارات الهوائية التى تسود تلك المنطقة، وتتحدد بالتالى خصائص المناخ، فحول المرتفع الجوى فوق البحر المتوسط تدور وتلف تيارات هوائية معتدلة الحرارة رطبة نوعا، بينما تدور تيارات هوائية شديدة الحرارة، شديدة الجفاف حول منخفض الهند، وشقيقه التوأم منخفض السودان، وبين هذين النوعين من الهواء الساخن الجاف والرطب البارد يمتد سطح وهمى فاصل، أطلق عليه علماؤنا منذ 25 سنة اسم «الجبهة تحت المدارية»، ويمتد بمحاذاة السواحل الأفريقية، ويقف فوق مدينة القاهرة، ويمر معظم أيام الصيف بمنطقة الوجه البحرى والقاهرة».
يؤكد «طنطاوى» أنه مع التغيرات التى تحدث فى المنخفض الحار، وفى المرتفع البارد، فإن هذا السطح الفاصل يتذبذب نحو الشمال أو الجنوب، إذا تحرك شمالا نحو البحر المتوسط، فهذا معناه طرد المرتفع الذى يجىء لنا بالهواء اللطيف الرطب، وإفساح الطريق لزحف آثار منخفض الهند والسودان على القاهرة والوجه البحرى، فيضيق الناس بالجو الحار، وإذا حدث العكس عاشت القاهرة والوجه البحرى جوا لطيفا محملا بالرطوبة وتركزت الحرارة فى الصعيد. توقع الخبراء ارتفاع درجة الحرارة فى السنوات المقبلة نحو 9 درجات عن معدلها الحالى.. وأرجع «طنطاوى» السبب إلى كثرة التلوث بدخان المصانع، والزيادة السكانية، وزيادة ثانى أكسيد الكربون فى الجو.