رصدت دراسة حديثة، حالة الانقسام التي تشهدها أوروبا بشأن عودة أطفال داعش الأوروبيين، حيث تواجه العديد من الحكومات الأوروبية الانتقادات لرفضها استعادة رعاياها من الرجال والنساء المحتجزين في الأماكن التي كان منتشرا فيها تنظيم داعش الإرهابي.
وأثارت عملية أطفال داعش الأوروبيين انقسامات حادة داخل الدول الأوروبية ففريق ينظر لقضية استعادة الأطفال من وجهة نظر إنسانية ويدعو لمقاربة مسألة استعادة الأطفال، وفريق ينظر للملف من وجهة نظر أمنية ويتخوف من استعادتهم، وأنهم يشكلون خطرا وليس هناك حاجة إلى الإنقاذ، ويعتبر أن أمن الدول الأوروبية يعلو على ما عداه.
وبحسب دارسة صادرة عن "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا" تكمن مشكلة استعادة الإرهابيين الأجانب الأوروبيين في عدة أسباب، منها الأمنية خوفا من أن يشكل الإرهابيون الأجانب وأسرهم "قنابل موقوتة" إذا ما أعيدوا إلى بلدانهم، كذلك معضلة قانونية فتزعم بعض الدول الأوروبية أن المحاكم قد لا تكون قادرة على مقاضاة الإرهابيين بنجاح بسبب نقص الأدلة في ميدان المعركة، كذلك الاقتصادية وتتمثل في تكاليف استعادة المقاتلين ومحاكمتهم وتأهيلهم".
وأشارت الدارسة إلى أن التقديرات تشير إلى أن عودة إرهابي داعش لا يحظى بشعبية كبيرة في معظم الدول الأوروبية، ويرى الأوروبيون أن الجهود المبذولة حتى الآن لإعادة تأهيل المتطرفين السابقين والمحتملين في جميع أنحاء أوروبا لم تسفر عن نتائج مشجعة، وإذا وافقت الدول الأوروبية على استعادة العناصر الإرهابية وأسرهم فمن المحتمل أن تكلفها خسارة الكثير من الأصوات الانتخابية، وستجعل هذه الحكومات هدفًا سهلاً نسبيًا للأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة والأحزاب الشعبوية.
وقالت الدراسة :" يعد الإعادة إلى الوطن والمحاكمة حسب الاقتضاء مع تفويض لجمع الأدلة الجنائية وتحديد وإعادة الشهود للإدلاء بشهاداتهم، كذلك إعادة التأهيل وإعادة الإدماج واخضاع من يعود الى برامج نزع التطرف العنيف وإخضاع المتورطين بعمليات إرهابية للقضاء، هي أفضل طريقة لإبقاء الإرهابيين وأسرهم بعيدًا عن ساحة المعركة ومعالجة الأزمة الإنسانية في مراكز الاحتجاز والمخيمات.
وأوضحت الدارسة أن أوروبا نجحت نسبيا في مكافحة التطرف والإرهاب، واستطاعت منع حصول عمليات إرهابية معقدة، ما عدا عمليات الذئاب المنفردة، لكن في مقابل ذلك ما زالت أوروبا تحتاج إلى النهوض بمحاربة التطرف محليا من الداخل، وكذلك حسم ملف الإرهابيين الأجانب، وهذا يعني أن أوروبا بالاتجاه الصحيح لكن هذا لا يعني عدم وجود ثغرات يمكن أن تستغلها الجماعات المتطرفة.
وأشارت الدارسة إلى أن منع التطرف هو أحد الجوانب الرئيسية لجهود الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب في الجانب السيبيراني، وكان التطرف على الإنترنيت في صميم تدخل الاتحاد الأوروبي، الذي يستهدف ضمان الإزالة السريعة للمواد الإرهابية، ولكن أيضا مع الخطط المستقبلية لجعل منصات الإنترنت الرئيسية أكثر مساءلة عندما يتعلق الأمر بمكافحة المحتوى غير القانوني والضار عبر الإنترنت وعلاوة على ذلك، فإن جهود الدول الأوروبية منفصلة والاتحاد الأوروبي أسهمت إلى حد معين أيضا في جهود الوقاية، على افتراض أن مجتمعا أكثر تماسكا وشمولا يمكن أن يساعد في منع انتشار الأيديولوجيات المتطرفة مما يؤدي إلى الإرهاب والتطرف العنيف ومع ذلك، فإن على الدول الأوروبية إيجاد صيغة لكيفية التوصل إلى تفاهم مشترك حول حدود حرية التعبير والمسؤوليات القانونية للمنصات الإلكترونية ومقدمي الخدمات.
وقالت الدراسة يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مواصلة العمل على المدى الطويل على تقريب قوانينها الجنائية بشأن خطاب الكراهية. مثل وجوب مراقبة تنفيذ اللائحة القادمة بشأن حذف محتوى الإرهاب على الإنترنت عن كثب، ولتجنب الاستخدام غير المتناسب لاتهامات الإرهاب في السياقات العابرة للحدود، سيكون من المفيد توسيع الأسس القانونية لمكافحة خطاب الكراهية وجرائم الكراهية.
ورصدت الدراسة أسباب عدم استعادة الدول الأوروبية لإرهابي داعش وأسرهم، قائلة من الناحية القانونية تثير إعادة إرهابي داعش قلق الدول الأوروبية حول مدى إدانتهم وخطورتهم لأن جمع الأدلة والبراهين من مناطق الصراعات أمرا بالغا في الصعوبة والتعقيد، وتحتاج الدول الأوروبية توفير البيانات والفحوصات الجنائية عن الإرهابيين ورعايها الذين التحقوا بتنظيم داعش، وتفتقر بعض الدول الأوروبية إلى أليات قانونية للتعامل مع الإجراءات الجنائية لإدانتهم بالإضافة إلى أن عدد قليل من الدول الأوروبية لا يعتبر الإرهاب في دولة أجنبية أو مناطق الصراعات في حد ذاته جريمة.