على مدار السنوات الأخيرة، نجحت الدولة باتباع سياسات متعددة لضبط السوق فيما يتعلق بالأسعار، ووفرت منافذ متعددة لتوفير السلع، بشكل نجح إلى حد كبير فى السيطرة على الأسعار، وفى وقت كورونا، عانت بعض الدول، ومنها دول كبرى وما تزال، من نقص السلع وارتفاع أسعار الغذاء، أو نقص بعض السلع الأساسية، بينما بقيت الأسعار فى مصر فى معدلها الطبيعى، وإلى حد كبير استقرت أسعار الخضراوات والفاكهة والدواجن والسلع الأساسية، بينما كانت التوقعات تشير إلى تضخم إضافى يضاعف الأسعار، وساهمت فى ذلك المشروعات الزراعية والصوبات وغيرها، وهو توازن تحقق رغم الزيادة السنوية فى السكان.
ربما تكون قضية الإسكان أكثر تعقيدا، لكنها أيضًا مطروحة بشكل كبير، خاصة فى ظل سوق عقارى يعانى من أزمة عرض وطلب، حيث ترتفع أسعار الوحدات السكنية بشكل كبير، وتغيب قوانين العرض والطلب، خاصة فيما يتعلق بالإسكان الفاخر الذى يمثل نسبة أكبر مقارنة بالمتوسط، وخلال عقود كانت هناك مدن جديدة لم تنجح فى امتصاص الزيادة السكانية مع ارتفاع الأسعار وزيادة العرض، وهو ما أدى لظهور العشوائيات والمخالفات والاعتداء على الأراضى الزراعية.
وتسعى الدولة، خلال السنوات الأخيرة، إلى مواجهة هذا الاختلال على أكثر من مستوى، فقد نجحت فى إخلاء العشوائيات ونقل سكانها إلى مجتمعات حضارية فى «الأسمرات» وأخواتها، وتوسعت فى الإسكان الاجتماعى فى المدن الجديدة، ووجه الرئيس باستغلال أراضى الدولة فى المحافظات لإقامة إسكان اجتماعى.
قدم الرئيس مبادرة التقسيط طويل الأمد للإسكان المتوسط، ضمن مبادرة البنك المركزى، وتوازيا مع إنشاء العاصمة الإدارية تم إنشاء أحياء سكنية لموظفى العاصمة فى مدينة بدر وحدائق العاصمة، وهو المشروع الذى يفتتحه الرئيس اليوم السبت، ويضم 9024 وحدة سكنية «376 عمارة»، ويجرى تنفيذ 4704 وحدات «196 عمارة» بالمرحلة الثانية من المشروع، مع خدمات تتضمن 3 مدارس للتعليم الأساسى والثانوى، و4 أسواق، ووحدتين صحيتين، ومخبزين، وملعبا خماسيا.
وحسبما هو معلن، سيتم توزيع العمارات على الوزارات ليتم توزيعها على الموظفين على 20 عاما، بمقدمات أقل من الربع، وهذه الأحياء تحل مشكلة السكن لموظفى العاصمة، ممن لن يكونوا قادرين على امتلاك وحدات فى العاصمة الجديدة فى ظل الأسعار الاستثمارية.
والواقع أن الإسكان الاجتماعى يوفر مساكن لفئات غير قادرة على الأسعار العقارية، وتساهم مبادرة التقسيط للإسكان المتوسط فى توفير مسكن لفئات وأصحاب مهن متوسطة مطلوبة للعاصمة وغيرها، لأن تنوع المبادرات لتوفير السكن على أقساط طويلة، وبفوائد منخفضة يعالج الاختلالات فى العرض والطلب، فى ظل وجود ملايين الوحدات السكنية فارغة وبلا استغلال، ومغلقة حسب تقارير جهاز الإحصاء السنوى، خاصة مع عدم وجود نظام معتدل للإيجار يمكن أن يوفر مساكن، ويعود بالنفع على المالك والمستأجر، وتبقى قضية الإسكان أهم القضايا التى تسعى الدولة لعلاجها لأنها تتعلق بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
الدولة من جانبها، تقدم مبادرات وخطوات للإسكان الاجتماعى، وتطبق فى السنوات الأخيرة قواعد صارمة للرقابة حتى لا يتحول الإسكان الاجتماعى إلى تجارة و«تسقيع»، وأيضا يمكن أن يكون التوسع فى الإسكان المتوسط حلا للأغلبية من المصريين الذين لا يمكنهم شراء وحدات فاخرة، خاصة الوحدات ذات الملايين التى تزحم إعلاناتها مواقع التواصل، بينما الأغلبية تسعى للإسكان المتوسط.
ولا شك أن مبادرات الدولة تساهم فى توفير إسكان اجتماعى، أو متوسط بتقسيط طويل، لكن هناك حاجة إلى حلول لعلاج الاختلال فى السوق العقارى يوازن الأسعار، مثلما جرى مع علاج الأسعار فى سوق السلع والغذاء.