ما تحقق فى ملف إنهاء العشوائيات فى مصر يصلح نموذجا للإرادة السياسية، وقبل 8 سنوات كان الحديث عن إعلان مصر خالية من العشوائيات يبدو من المستحيلات، خاصة فى ظل واقع اقتصادى كان وقتها يبدو شديد الصعوبة.
كانت العشوائيات تبدو قدرا يصعب تغييره، القاهرة تتحزم بعدد من المناطق العشوائية القابلة للتوسع، وعلى مدى عقود كان الحديث عن العشوائيات يتم من كل التيارات السياسية مع مطالبات ومصمصة شفاه، والبرامج الفضائية تتحدث عن مشكلات سكان العشوائيات، وتصدر تصريحات موسمية انتخابية من دون تغيير فى واقع الحال.
ما جرى أنه تم وضع جداول زمنية لإنهاء العشوائيات بشكل نهائى، وبدء تنفيذ عمليات جراحية لاستئصال العشوائيات، وإقامة عمارات ومناطق إنسانية ينتقل إليها المواطنون لتتغير حياتهم، وهو ملف يحتاج لدراسة من جميع جوانبه، فقد نجحت الدولة بتجاوز وضعية الاقتصاد المرهق، أن توفر 425 مليار جنيه، وأن تعلن الحكومة أن القاهرة خالية من العشوائيات بنهاية العام الجارى، وتختفى المناطق غير الآمنة، أيضًا يتم نقل سكان العشوائيات والمناطق الخطرة إلى مجتمعات تتضمن كل الخدمات الصحية والتعليمية، وهى نقلة فى ملف صعب.
وعندما ظهرت الأسمرات بمراحلها المختلفة، تعامل البعض باعتبار الأمر مجرد دعاية تنتهى مثل غيرها، لكن الأمر اتخذ خطة واضحة، ونية مؤكدة لإغلاق ملف ظل يمثل عارا على مدى عقود. هناك مناطق مثل إسطبل عنتر وتل العقارب وحكر السكاكينى وسور مجرى العيون، وأخرى فى بورسعيد أو الإسكندرية، حيث شهدنا غيط العنب ونقل المواطنين إلى مجتمعات كاملة الخدمات، بمعنى وجود ملاعب ووحدات صحية ومدارس، ونقل عام يسهل لمواطنى هذه المناطق الانتقال من وإلى أعمالهم، كلها جهود تمثل علامات المرحلة سياسيا واجتماعيا، تحققت بإرادة الدولة، وتصميم واضح من الرئيس عبدالفتاح السيسى.
وحرص الرئيس فى مناسبات عديدة على التنبيه إلى الحسم فى إنهاء ملف العشوائيات، ليس فقط من منظور النقل والإيواء، لكن بمفهوم اجتماعى يغير حياة الملايين ممن عاشوا على مدى عقود فى مجتمعات غير آدمية، تنتج شخصيات غير سوية، وتضاعف من حجم الاختلال الاجتماعى.
وحتى هؤلاء الذين كثيرًا ما يطرحون أسئلة عن محل إنفاق الموازنة والأموال، لا يتوقفون كثيرًا عند مبلغ يقترب من النصف تريليون جنيه، تم إنفاقها لتطوير ونقل مناطق عشوائية ظلت على مدى عقود تمثل عارًا يصعب التخلص منه، وهو ما يجعل تطوير العشوائيات إنجازًا سياسيًا واجتماعيًا يزيل تراكمات عقود طويلة من الإهمال، ثم إن الدولة تتحرك لضمان عدم عودة العشوائيات، لأن العشوائيات كانت نتاج تفكير وسياسات وفكر عشوائى، فقد كان ظهور هذه الأورام نتاجا لغياب سياسات عادلة، والتوسع فى منح الأراضى للتجار والسماسرة من دون رابط، آثروا تسقيع الأراضى والاتجار فيها أو تحويلها إلى منتجعات ومبان فاخرة، لا يقدر على سكنها المواطنون فى الطبقات الوسطى أو الأقل دخلا، فقد كان التوسع فى الإنشاء العقارى الفاخر على حساب الإسكان المتوسط والمحدود سببا لانتشار العشوائيات. إن توفير البدائل وتنوع الخيارات أمام المواطن، الطريق لضمان إنهاء العشوائيات بلا رجعة.
ومن حديث الرئيس أثناء افتتاح مشروعات الإسكان، أمس الأول السبت، نكتشف أن النية تتجه لإغلاق ملف المناطق العشوائية، وحضور الدولة بكامل وجودها، وتطبيق القانون، وتوفير البديل، وهذا البديل يتحقق من خلال توفير إسكان اجتماعى لذوى الدخل المنخفض، ومبادرات التمويل العقارى طويل المدى مع خفض الفائدة، ومراقبة الشركات العقارية لمنع البيع من خلال إعلانات الوهم.