أكد الكاتب والمحلل السياسى الباكستانى أحمد القريشى أن حركة طالبان في أفغانستان تعمل على تغيير الصورة النمطية السيئة عنها، مشيرا إلى أن مقاتلو الحركة قاموا بانتهاكات لحقوق الإنسان في بعض المدن والأقاليم التي سيطروا عليها، لكن سرعان ما تحركت القيادة وأوعزت للقواعد وقف الانتهاكات، مشيرا إلى أن دخول الحركة إلى العاصمة كابول تم بشكل سلمي دون أي أعمال انتقامية حتى الآن، لافتا إلى أن الحركة تعمل على تحسين صورتها حول حقوق المرأة الأفغانية.
وأشار القريشى في تصريحات خاصة لـ"انفراد" إلى أن ردود الفعل الدولية الأولية إيجابية فيما يتعلق الاعتراف بدور لطالبان في الحكم، مؤكدا ان الحركة لم تبادر بالإعلان عن حكومة في كابول بل سمحت بانطلاق جهود قيام حكومة انتقالية تمثل الطيف السياسي الأفغاني، موضحا أن مواقف بعض الأطراف الإقليمية والدولية تشير إلى تقبل ما يقرره الشعب الأفغاني، موضحا أن فرص تقبل دور لطالبان في الحكم جيدة طالما لا تفرض الحركة نفسها وأجندتها على الأفغان، ولا تبدأ أعمال عنف وتصفية.
وعن موقف إسلام أباد من تطورات الأوضاع في أفغانستان، أشار المحلل السياسى الباكستانى إلى أن وزارة الخارجية التابعة لحكومة إسلام أباد ومندوب باكستان في الأمم المتحدة شجعوا طالبان على ضرورة احترام حقوق الإنسان والمرأة والأقليات، وضرورة الالتزام بالمواثيق الدولية، وحذرت من خرقها.
وعن سبب تخلى طالبان عن بعض الأفكار المتشددة تجاه المرأة ومحاولة تحسين صورتها في ملف حقوق الانسان، أكد ضرورة الانتظار كي تظهر أدلة مقنعة قبل تشكيل انطباع نهائي حول موقف الحركة، مشيرا إلى أن هذا التخلي يعد خطوة انتهازية تستهدف الحصول على دعم دولي لوصول طالبان لسدة الحكم أو حدوث تغيير حقيقي في مواقف وتفكير قيادات الحركة بعد أن توسعت تجربتها وباتت لها علاقات دولية على عكس عزلتها سابقا في التسعينيات.
ولفت إلى أن حكومة إسلام أباد قررت عدم المبادرة بالاعتراف بدور لطالبان في الحكم والتريث والتشاور مع واشنطن ودول المنطقة والمجتمع الدولي قبل اتخاذ قرار، مرجحا أنه في حال التوصل إلى اتفاق حول حكومة انتقالية ممثلة لأطياف المجتمع الأفغاني، شاملا طالبان، أن تدعم باكستان مثل تلك الحكومة وتشجع دول العالم على التعامل معها.
وعن الطرف الذى يتحمل مسؤولية الانهيار الكبير للقوات النظامية الأفغانية أمام طالبان، أوضح أن المسؤولية الأولى والأكبر تقع على عاتق الرئيس الأفغانى السابق أشرف غني الذي أحبط محاولات واشنطن وإسلام أباد الحثيثة للتوصل لاتفاق حول حكومة انتقالية، بل إنه عمل على إفشال الجهود الأمريكية والباكستانية، وتسبب بإحراج كبير للبلدين اللذين قدما دعما غير محدود لحكومته، وتخلى عن بلده وشعبه وهرب مع ملايين الدولارات في أول فرصة، مشيرا إلى إلقاء الجيش الأفغاني السلاح رغم القدرة والاستعداد على القتال، هي أمور تشير إلى احتمال أن بعض مساعدي غني عملوا على حقن الدماء الأفغانية ووقف حرب أهلية ضروس كانت ستندلع نتيجة اصرار أشرف غني على إفشال المفاوضات.
وعن إمكانية عودة تنظيم القاعدة للظهور في أفغانستان بعد صعود طالبان لسدة الحكم، أوضح "القريشى" أن حركة طالبان لم يكن لها يوما أجندة خارج أفغانستان على غرار التنظيمات المتشددة والمتطرفة التي ابتليت بها المنطقة والتي استغلت النزاعات والقضايا المشروعة لنشر الكراهية والصدام مع الشعوب والأديان وظروف التسعينيات كانت مختلفة، موضحا أنه صادف بروز طالبان انتقال القاعدة من السودان إلى أفغانستان، مؤكدا أنه تم تقليم أجنحة القاعدة ووجودها بات محدودا حالياً في جيوب ضيقة في أفغانستان وباكستان (على نطاق محدود).
ولفت إلى أن حركة طالبان في أفغانستان تواجه الآن اختبارا لنواياها، وعليها الإثبات عمليا أنها لن تفتح أبوابها لتنظيم القاعدة، ويبدو أن هذا ما تم نقله للعالم في أول مؤتمر صحفي لحركة طالبان في كابول عندما أصر المتحدث الرسمي للحركة بأنها لن تعمل ضد مصالح دول أخرى ولن تصبح جزءا من محاور إقليمية.
وعن صحة وجود ارتباط بين طالبان وتنظيمات داعش والقاعدة، أكد المحلل السياسي الباكستانى أنه لا يمكن استبعاد الروابط غير الرسمية والعلاقات الشخصية، لكن أكبر فرق بين طالبان والجماعات المتطرفة المذكورة هو أن طالبان تحوز اعترافا إقليميا ودوليا، وهو ما ليس حاصلا للتنظيمات المتطرفة المذكورة، والفرق الثاني المهم هو أن طالبان لم تنشط يوما خارج أفغانستان.
وعن أفضل آلية لمحاربة الفكر المتطرف والمتشدد في دول العالم، أوضح "القريشى" أن الفكر المتطرف ينشرعن نفسه عندما يخطف الدين السمح ويتحدث باسم الدين ولا يجد من يرد عليه بالدين والمنطق، وينتشر الفكر المتطرف عندما يسيطر على دولة ويقودها، كما حصل في اليمن، وحصل في إيران في 1979، ويحصل اليوم في أفغانستان، لافتا إلى أن تاريخ الجماعات المتطرفة وراء التخوف من سيطرة طالبان على بلد كامل. كما أن الجماعات المتطرفة لا تأتي بالاستقرار للدول التي تسيطر عليها بل تديم الفوضى لأن فيها دوامها.
وأوضح أن هناك تخوفا حقيقيا وطبيعيا وجائز من سيطرة ميليشيا على دولة مهمة في المنطقة في وقت تحتاج المنطقة إلى تحجيم دور الميليشيات وتحرير الدين الحنيف من سيطرتها وإعادة تأهيل المسلمين الذين تحولوا إلى متطرفين مسلحين سنة وشيعة، مضيفا "هل تستطيع طالبان أن تثبت عملا أنها تغيرت ولن تصبح منارة إلهام وجذب للفكر المتطرف في المنطقة؟ الجواب على هذا السؤال سيحدد مصير طالبان والمنطقة."