دائما تحاول مصر خلق مزيد من التعاون والترابط التجاري مع دول القارة السمراء ، وفي سبيل ذلك هناك عدد من الاتفاقيات الاقتصادية التجارية مثل اتفاقية الكوميسا والتي تزيل الحواجز التجارية بين مصر وبعض الدول في القارة، وحالياً اتفاقيات التجارة الحرة القارية " اتفاق التجارة القاري" الذي يربط 55 دولة أفريقية تجارياً ويهدف إلي زيادة ضخمة في حركة التعاون التجارية.
وحالياً تحاول القاهرة الانتهاء من ربط شمال القارة الأفريقية بجنوبها، عبر عدة مشاريع لعل أبرزها طريق بين مدينتي القاهرة وكيب تاون، عاصمة جنوب أفريقيا، يبلغ طول الطريق نحو 10 آلاف كيلومتر مربع، ويمر في عدد من البلدان في وسط وشرق القارة السمراء، وذلك لتسهيل نقل البضائع والمنتجات من وإلى دول أفريقيا ، والتي كانت أكبر العقبات التي تواجه رجال الأعمال والمستوردين والمُصدرين، خصوصاً من الشمال إلى الجنوب.
الكوميسا
ولعل أبرز اتفاقات التجارة بالقارة الأفريقية هي "الكوميسا" وهى اتفاقية السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا، كمنطقة تجارة تفضيلية تهدف للوصول لإقامة منطقة تجارة حرة بين الدول الأعضاء لتصبح اتحادا جمركيا ثم سوقاً مشتركة، وأصبحت مصر عضوًا في الكوميسا عام 1998 بجانب 19 من الدول الأعضاء النشطة الأخرى، وتعفي مصر كعضو في الكوميسا البضائع والمنتجات التي تحمل شهادات المنشأ من الكوميسا تماما من الرسوم الجمركية وأى رسوم وضرائب أخري ذات الأثر المماثل.
وبالإشارة إلى قواعد المنشأ الخاصة بالاتفاقية، تطبق الإعفاءات الجمركية على جميع واردات السلع التى يكون منشأها الدول الأعضاء بقيمة مضافة تصل على 45%، بدأت الكوميسا اتحادها الجمركي في يونيو 2009 بهدف تخفيض وتوحيد التعريفة الجمركية الخارجية خطيًا على مدار عشر (10) سنوات تبدأ في عام 2009 وتنتهي في عام 2018، ومن المقرر إقامة اتحادًا نقديا بحلول 2025، لكن هناك شكاوى كثيرة من المصدرين في الدول بالقارة، لعدم تطبيق بنود الاتفاقية، وعدم تنفيذها بحجة وجود بدائل محلية، الأمر الذى قلل من تأثير هذه الاتفاقية على حركة التجارة في القارة السمراء.
اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية:
فى مارس 2018، وبعد مفاوضات متواصلة استمرت لعامين، وقع رؤساء الدول والحكومات الإفريقية فى كيجالي برواندا اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، والتي تُعد أكبر اتفاق تجارى فى العالم، وقد دخلت حيز التنفيذ فى 30 مايو 2019 بتصديق 22 دولة، وكانت مصر من بين أوائل الدول التي وقعت وصدقت على هذه الاتفاقية، ومما لا شك فيه أن وصول عدد الدول المصدقة اليوم إلى أكثر من 25 دولة فى فترة تقل عن سنة واحدة يعتبر فى حد ذاته توقيتا قياسيا، إذا ما قورن بما عهدناه بالنسبة للتوقيع والتصديق على الاتفاقيات عامة فى أفريقيا والتي عادة ما تأخذ سنوات طويلة، لكن اللجوء إلى مثل هذه الاتفاقية وهى الأوسع والأشمل منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية، يفتح بابا للتساؤل حول طريقة التطبيق وهل تتعرض لمشكلات وعوائق في التطبيق مثلما تشهده الكوميسا.
ولعل أبرز ما يميز هذه الاتفاقية هو شموليتها وتعمقها فى التحرير فيما بين الدول الأفريقية فى مجالي التجارة فى السلع والخدمات، وكذلك تضمينها اتفاقيات تحث دول القارة على دفع الاستثمارات فيما بينها وتوفير الحماية اللازمة لها وتتبنى سياسات المنافسة واحترام حقوق الملكية الفكرية، وتعد كل هذه المجالات حديثة نسبيا لدول القارة، التي تخوض للمرة الأولى مفاوضات بشأنها وتتبادل التنازلات حولها.
مصر تسعى لاستغلال اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية لمصلحتها، لأن الاتفاقية تجعل من السوق الأفريقي مفتوح أمام المنتجات المصرية، حال تطبيقها بالشكل الأمثل باعتبارها منتجات متعارف عليها لديهم، وذلك بجانب سعرها التنافسي مع أسعار المنتجات الهندية والصينية، بالإضافة إلى دخول المنتجات المصرية للدول الأفريقية دون جمارك، وذلك تطبيقًا للاتفاقيات التجارية، مما يجعل لها ميزة نسبية، في ضوء محاولات القاهرة للتغلب على عوائق الوصول إلى بعض الأسواق بالقارة ومنها أسواق الدول الحبيسة.
ولتحقيق الاستفادة الحقيقة من هذه الاتفاقية، فلابد من خطة عاجلة لزيادة الصادرات المصرية للسوق الأفريقي، واستراتيجيات قطاعية للمنتجات الأكثر طلبا للسوق الأفريقي، وذلك بجانب تفعيل دور مجالس الأعمال المشتركة مع دول القارة السمراء، وإتاحة مراكز لوجستية فى أفريقيا حتى نوفر لهم البضاعة الحاضرة، وذلك من أجل نفاذ أسهل للمنتجات المصرية للدول الأفريقية.
وللتغلب على كافة هذه التحديات، فلابد من الاستثمار فى البنية التحتية وربط دول القارة بالسكك الحديدية والطرق البرية والممرات النهرية تعزيزا للتبادل التجاري فيما بينها، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، مشروع طريق القاهرة كاب تاون، الذى يبدأ من ميناء الإسكندرية إلى مدينة كاب تاون فى جنوب إفريقيا، ولقد تم بالفعل إنجاز جزء من الطريق الممتد من مصر إلى الحدود مع السودان، وهو جاهز للعمل.
وهناك أيضا الطريق الذى يربط القاهرة بداكار فى السنغال فى غرب أفريقيا، بالإضافة إلى طريق سريع يمتد عبر غرب إفريقيا من نواكشوط بموريتانيا إلى لاجوس بنيجيريا، فضلا عن مشروع الربط النهري بين الإسكندرية وبحيرة فيكتوريا، الذى من شأنه أن يجعل البلاد بمثابة بوابة إلى وسط إفريقيا عبر نهر النيل، وإلى غير ذلك من المشروعات الفعلية والتي تهدف إلى ربط الدول الإفريقية بعضها ببعض تعزيزا للتجارة وانتقال العمالة فيما بينها.