من يترك حرفًا يعش له دهرًا، ومن يسبح ضد التيار يصير له تلاميذ وأعداء ولا يموت.. فى الذكرى العاشرة لوفاته، يثير القمص متى المسكين، الجدل من جديد بعد سنوات قضاها باحثًا فى اللاهوت القبطى، سائحا فى صحراء برية شيهيت بوادى النطرون، ترك للكنيسة القبطية تراثًا ما زال مختلفا عليه حتى الآن.
الأب متى المسكين، أحد أكثر الشخصيات القبطية إثارة للجدل فى تاريخ الكنيسة المصرية، فهو من ناحية يعتبر أحد أهم الرهبان الذين أعادوا إحياء دير الأنبا مقار، مع جماعته الرهبانية (12 راهبًا) بعد أن كانت الحياة الرهبانية فيه توشك أن تنطفئ وعهد إليه البابا كيرلس مهمة تعمير الدير وإحياء الحياة الرهبانية فى الدير من جديد.
ومن ناحية أخرى، فإن الأب متى المسكين مازال محلًا للجدل بسبب لقائه بالرئيس السادات أثناء خلاف الأخير مع البابا شنودة، وهو الخلاف الذى ألزم "متى" الصمت حتى وفاته، وكتب عنه فى مذكراته.
فى الذكرى العاشرة لوفاته، أقام دير بوزى الكاثوليكى بإيطاليا مؤتمرا لتكريم القمص الراحل، حضره الأنبا أبيفانيوس أسقف دير أبو مقار، الذى خرج منه القمص متى المسكين وعاش فيه حياة الرهبنة، وقال فى كلمته التى نشرها الموقع الرسمى للدير، إنه من الصعب على غير الدارسين لتاريخ الكنيسة القبطية فى العصر الحديث أن يُدركوا مدى الأثر الذى تركه الأب متى المسكين في نظرة الأقباط للكنائس الأخرى، أو مدى تأثير الأب متى المسكين على الحياة الرهبانية، وحقل الدراسات الآبائية والإنجيلية في مصر.
وأضاف الأسقف: "فى النصف الأول من القرن العشرين، بَدَأَت فى مصر حركة مدارس الأحد التى كان يقودها الأرشيدياكون حبيب جرجس، الذى اعترفت الكنيسة القبطية بقداسته منذ ثلاثة أعوام، وكان كل ميراث هذه الحركة يتمثَّل فى كتابات جدلية وكتابية واردة من الكنائس الأخرى، ولم يكن هناك أية دراسات آبائية معروفة أو تفاسير للكتاب المقدس في يد القارئ القبطي باللغة العربية، سوى بعض الكتب المترجمة عن كُتَّاب من الكنائس البروتستانتية".
واعتبر الأنبا أبيفانيوس أن كتابات الأب متى المسكين أحدثت تغييراً ملحوظاً في مجال التعليم في الكنيسة القبطية مرجعا السبب الحقيقي وراء هذا التغيير، إلى أنَّ الأب متى المسكين لم يتتلمذ على اللاهوت القبطي المعاصر أو المستحدث الذى كان منتشراً في ذلك الوقت؛ إذ أنه بتدبيرٍ إلهي، حسب تعبيره، حصل على مجموعة كاملة لأقوال الآباء مُترجمة إلى اللغة الإنجليزيـة، فقرأها بنهَمٍ. فانطبع فكر الآباء على تفكيره، واصطبغت حياته بسِيَر قدِّيسي الكنيسة. فخرجت كتاباته لها طعم كتابات آباء الكنيسة.
الكلمة التى ألقاها الأسقف الذى مثل الكنيسة القبطية فى هذا المؤتمر، لم تعجب بعض التيارات فى الكنيسة والتى لا تتفق مع تعاليم القمص متى المسكين، من بينهم مينا أسعد كامل مدرس اللاهوت الدفاعى بمعهد الكتاب المقدس، الذى اعتبر كلمة الأنبا أبيفانيوس تحمل إساءة واضحة للقديس حبيب جرجس مؤسس مدارس الأحد خاصة حين وصف الأنبا أبيفانيوس كتابات جرجس بالجدلية الواردة من كنائس أخرى.
وقال كامل لـ"انفراد"، إن كتابات القمص متى المسكين نفسها مليئة مليئة بالمراجع لكتب غربية وكثير منها علماء لاهوت بروتستانتية وغربيين وينتمون إلى كنائس أخرى، متهما القمص متى بعزل نفسه والتمرد على تعاليم الكنيسة بل والتتلمذ على كتابات غربية بعضها كتابات آباء وكثير منها كتابات لاهوت غربى.
وواصل مدرس اللاهوت الدفاعى:" لذلك جاءت كثير من أفكاره فى هذه الكتب أفكار غريبة ومختلفة عن روح التعليم القبطى الآبائى السليم البعيدة عن اللاهوت القبطى، مضيفا:"لم يتتلمذ على اللاهوت القبطى".
تعتبر كتابات القمص متى المسكين، من الكتابات الممنوعة كنسيا حيث يحظر بيعها وتداولها فى مكتبات الكنائس والأديرة، رغم عدم صدور قرار من المجمع المقدس يلزم بذلك، إلا أن هذا العرف معمول به منذ عصر البابا شنودة الراحل إبان خلافه مع القمص المسكين.