عندما تم الإعلان عن فيروس كورونا فى شتاء 2019، والإعلان عن وبائيته فى ربيع العام الماضى، لم يكن أكثر الناس تشاؤما يتصور أن الفيروس سوف يستمر كل هذه الشهور ويكمل عامين، ويغير من قواعد حياة البشر، كانت الرهانات أنه سوف ينتهى فى الصيف التالى، أو ينتهى مع نهاية العام، مع توقعات بأنه سوف يكرر سابقيه، أنفلونزا الطيور والخنازير وسارس وميرز.. جاء الصيف واستمر «كوفيد - 19»، ومر خريف وشتاء وربيع وصيف وما زال الفيروس يهاجم بضراوة ويتحور ويحمل فى جعبته الكثير من المفاجآت.
علماء الفيروسات قالوا إنهم حذروا على مدى عقود سابقة من تحور فيروسى يتحول إلى جائحة يصعب توقعها، وخيمت نظريات المؤامرة على آراء كثيرة، وتبنى عدد من الخبراء نظريات تخليق الفيروس، بينما تمسك البعض الآخر بإنكار الفيروس، ووجود جهات من مصلحتها تضخيم تأثيراته، لكن هؤلاء لم يقدموا تفسيرا لملايين الإصابات فى المستشفيات وارتفاع الوفيات.
حتى اللقاحات لم تسلم من نظريات تشكك فى كفاءتها، أو تعتبره استكمالا لخطوات السيطرة على البشر، بينما ظل «كوفيد - 19» أقرب لشريط سينما تستمر مشاهده، حاملة مفاجآت فى كل لحظة، تتقاطع المشاهد وتتغير الأحداث على عكس التوقعات، وبدأ الحديث عند إعلان الفيروس كـ«جائحة»، عن مناعة يحملها المتعافون، تجعل البلازما أملا فى شفاء المصابين الجدد، هذه النظريات سرعان ما تراجعت أمام تكرار الإصابة، ونفس الأمر مع اللقاحات التى أعلنت الشركات المنتجة أنها تمنح مناعة كاملة، وأن تلقيح ثلاثة أرباع المواطنين يصنع ما يسمى مناعة القطيع، لكن الواقع كان أكثر تأثيرا فلم تتكون مناعة لقطيع وتصاعدت الإصابات فى بريطانيا وأمريكا رغم أنهما أكثر الدول تلقيحا.
ولم يخل الأمر من سياسة وتنافس علمى وطبى، فى حين سبقت الصين وروسيا بالإعلان عن إنتاج لقاحاتهما، سينوفارم وسبوتنيك V، ظلت أوروبا تشكك فى اللقاحات الشرقية، وتعلن عن قرب إنتاج لقاحاتها، فى سباق أعاد التذكير بالسباقات النووية والفضائية بين الشرق والغرب أثناء الحرب الباردة، فى الولايات المتحدة تم الإعلان عن لقاح فايزر وجونسون آند جونسون وموديرنا، وفى بريطانيا «أسترازينيكا»، وتصور البعض أن اللقاحات سوف تحمل نهاية الفيروس، لكن ما جرى كان استمرارا لمشاهد هى الأقرب لأفلام الخيال العلمى.
واجهت اللقاحات نفسها مشكلات، أولها يتعلق بكميات اللقاحات، حيث حرصت الدول الأغنى على الحصول على جرعات أكبر، وتأخرت اللقاحات للدول الأفقر، وبالرغم من تلقيح ملايين من أغلبية البريطانيين والأمريكان أطلت سلالة «دلتا» لتعيد الكرة من جديد، لم تتكون مناعة القطيع المفترضة، وعادت الإصابات والوفيات لتبدأ عملية إعادة نظر فى اللقاحات وأبحاث جديدة لتقوية اللقاحات حتى يمكنها مواجهة السلالات المتحورة ومنها «دلتا».
فى الولايات المتحدة استخدم المرشح الديمقراطى جو بايدن، كورونا للإطاحة بمنافسه الرئيس الجمهورى السابق دونالد ترامب، واتهمه بالفشل، ووعد بإنتاج وتوزيع وتوسيع اللقاحات لحماية الشعب، وقبل أن يكمل شهره الثامن تفجرت إصابات كورونا وارتفعت الإصابات والوفيات، وعاد ترامب ليتهم جو بايدن بالفشل فى مواجهة الفيروس، ليعود «كوفيد - 19» كورقة سياسية مع ورقة أفغانستان.
وبعيدا عن سباق الجمهوريين والديمقراطيين، تتواصل الخلافات حول تلقى اللقاحات، ومدى كفاءتها، وتطوير لقاحات يمكنها مواجهة السلالات الجديدة وأخطرها «دلتا» وما يمكن أن يظهر خلال الشهور المقبلة.
التجارة هى الأخرى تفرض نفسها بجانب السياسة، فقد استحوذت الدول الكبرى على النصيب الأكبر من اللقاحات، وحرمت الدولة الفقيرة، لدرجة أن الدكتور تيدروس أدهانوم، مدير منظمة الصحة العالمية، أكد أن بعض الشركات المنتجة للقاحات كورونا تحقق أرباحا قياسية، بينما الكثير من البشر حول العالم ما زالوا غير محميين من الإصابة بعدوى كورونا، وأنه لا يمكن لأحد أن يعيش فى أمان مادام الكثيرون غير محصنين، لأن ذلك يرفع فرصة انتشار الفيروس وتحوراته.. بعض التقارير أشارت إلى أن نسبة التحصين لم تتجاوز 2 % فى بعض الدول ومنها قارة أفريقيا، وهو ما يشير إلى غياب عدالة توزيع اللقاحات.
ربما لهذا لجأت مصر إلى إنتاج اللقاحات، ومع الحديث عن موجة جديدة، أعلنت وزيرة الصحة عن إنتاج 15 مليون جرعة من لقاح سينوفاك، وتوريد أول مليون جرعة للمراكز الطبية، وأن اللقاح المصرى يقلل دخول المريض للمستشفى بنسبة 90 %، وهناك خطة لتوفير اللقاحات بشكل واسع، وأن تتحول مصر لمركز توزيع اللقاحات إلى أفريقيا، وتتجاوز مشكلات المنافسة والتأخر فى وصول اللقاحات.
وقالت الوزيرة، فى المؤتمر الصحفى: إن الإصابات فى تصاعد ولكن الوفيات أقل من الموجات السابقة بفضل التوسع فى اللقاحات، وأن عدد من سجلوا لتلقى اللقاحات حتى الآن 10 ملايين، تم تطعيم 7.5 مليون ما بين الجرعتين الأولى والثانية.