بالرغم من أن الثانوية العامة تأخذ الكثير من الجدل والاهتمام حول الامتحانات والدرجات، فإن مكاتب التنسيق هى التى تمثل مرحلة فارقة فى تحديد مستقبل الطالب، وبداية مرحلة أخرى أكثر تعقيدا، والجامعة نفسها بداية لدخول الشاب إلى الحياة العملية والبحث عن عمل، هذا النقاش يتكرر سنويا بعد إعلان نتائج الثانوية العامة، وتظل هناك تساؤلات وحيرة لدى الطلاب وأولياء الأمور، بحثا عن الكلية أو المجال الذى يوفر للخريج فرصة عمل فورية، أو تجعل المجال أمامه للاختيار بين بدائل.
خلال السنوات الأخيرة تغيرت نظرة الكثير من الأسر، أو الطلاب فى اختيار الدراسات الجامعية، بشكل أوسع من البقاء فى زاوية كليات القمة، أو التخصصات التى بقيت مشهورة، بالرغم من أنها لا توفر فرص عمل مثلما كان فى السابق، بل إن نظام التعليم بشكل عام ظل يتجاهل المجتمع وسوق العمل، حيث برزت تخصصات فنية عليها طلب أكثر من التخصصات المشهورة، ويضطر بعض الخريجين لاستكمال دراستهم فى اتجاهات بعيدة عن تخصصاتهم، حتى يمكنهم الحصول على فرص عمل.
وهذه الظاهرة موجودة فى كل دول العالم، وعندما يسافر بعض الشباب يضطر لعمل دراسات والحصول على دورات حتى يمكنه الحصول على فرص عمل، وأغلب من يسافرون بشكل عشوائى، يعملون فى مطاعم أو محلات أو مهن معاونة، لا علاقة لها بتخصصاتهم.
عندما نتحدث عن سوق العمل والتخصصات المطلوبة، فهذا يتعلق بأهمية التنوع فى التخصصات، ويمكن فى حالة وجود دراسات لسوق العمل أن نجد أن التخصصات التقليدية كالحقوق والتجارة العرض منها أضعاف الطلب، ويضطر بعضهم للحصول على دورات فى التسويق الإلكترونى أو إدارة المشروعات،
بل إن البعض يتجه بعد التخرج فى كليات قمة إلى تخصصات لا علاقة لها بالدراسة، وهو تأكيد لعدم ارتباط العمل والفرص بالتخصص والدراسة بقدر ما هو مرتبط بإعادة التأهيل أو اكتساب مهارات مختلفة، وحتى فى الإعلام مثلا لم تعد الدراسة التقليدية كافية لمناهج الإعلام، وأضيفت إليها تخصصات لتخريج وتأهيل
الصحفى الشامل الذى يجيد التصوير والفيديو والمونتاج والجرافيك.
ولا يعنى وجود تخصصات معينة عليها طلب أن يتجه الجميع إليها، فالتأهيل والمهارات مطلوبة، وعلى سبيل المثال فإن كليات الزراعة، تتيح فرص عمل فى ظل توسع الاهتمام بالزراعة والصوبات، ومنها تخصصات حديثة تستلزم مهارات فى الرى الحديث والطاقة الشمسية، وهى دراسات إضافية، ومهارات يسهل على خريج الزراعة اكتسابها حتى يمكنه الحصول على فرصة عمل أو البدء فى مشروع خاص.
طبعا أصحاب المجاميع الكبيرة أغلبهم يختار كليات القمة كالطب والصيدلة وطب الأسنان والهندسة والإعلام والألسن، لكن هناك تخصصات لم تكن جاذبة خلال السنوات الماضية لكنها الآن أصبحت تجد إقبالا، خاصة ممن يعرفون سوق العمل مثل التخصصات الطبية المعاونة أو المتقاطعة مثل العلاج الطبيعى، والتمريض، والتربية الرياضية وبها أقسام علوم الصحة الرياضية التى تتيح العمل فى التأهيل أو مراكز ذوى الاحتياجات الخاصة، والإصابات والتأهيل البدنى والحركى، ودور المسنين وهو تخصص يتشابه مع خريجى كليات العلاج الطبيعى، مع التوسع فى الاهتمام بالرياضات، وبينما يركز بعض الطلاب على الإعلام، هناك فروع للعلاقات العامة والتسويق العام والتسويق الإلكترونى، الذى قد يتيح العمل الخاص المباشر، أو يوفر فرصا فى الشركات المتخصصة فى التسويق الإلكترونى، وهناك أصحاب تخصصات أخرى يضطرون لدراسة التسويق بأنواعه ليعيدوا تأهيل أنفسهم لسوق العمل، فى الوقت الذى تتوسع فيه الجامعات العامة والخاصة فى تخصصات الذكاء الاصطناعى والاتصالات والحاسبات، وهى تخصصات ذات طلب عال، فى كل الاتجاهات ومع التوسع فى الرقمنة والمعلومات.
هناك بعض التخصصات المرتبطة بذوى الاحتياجات أو تأهيل الأطفال ومنها أخصائى التخاطب، الذى يدرس فى معاهد وكليات الخدمة الاجتماعية أو كليات التربية، أو يحصل على دورات متخصصة فى معهد السمع والكلام وهى تخصصات مطلوبة فى ظل الاهتمام بذوى الاحتياجات، لدرجة أن بعض أولياء الأمور
يضطرون للحصول على دراسات خاصة ودورات، حتى يمكنهم تلبية احتياجات الأطفال، ونفس الأمر فيما يتعلق ببعض فروع علم النفس، وما يتعلق بالإعاقات الجسدية أو النفسية، وهى تخصصات تفتح مجالات للعمل فى المدارس والمراكز الطبية أو العيادات المتخصصة فى التعامل مع بعض الحالات الخاصة.
لا توجد وصفة تحسم المستقبل المضمون، لكن هناك طرقا للاطلاع واستعراض الواقع بشكل يفتح الباب للاختيار، ولم تعد الخيارات القديمة كافية لضمان مستقبل مستقر، والمنافسة فى سوق عمل معقد.