بعد عامين من اندلاع الثورة الليبية يوم 1 سبتمبر 1969، بقيادة العقيد معمر القذافى، كشف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، بعضا من أسرارها فى مقاله: «10 أسباب للخطر من حول ليبيا»، والمنشور فى «الأهرام» يوم 3 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1971.
يذكر «هيكل» أنه فى مثل هذا اليوم، 3 سبتمبر 1969، كان لقاؤه الأول وجها لوجه مع الثورة الليبية، ومع قيادتها، ومع المغامرة شبه الأسطورية التى قاموا بها - على حد وصفه - مؤكدا: «اعتبرتها وقتها - وما زلت اعتبرها - أهم حدث عربى إيجابى فى مواجهة سلبية هزيمة سنة 1967».
كانت الأخبار التى انتقلت من ليبيا إلى العالم منذ يوم 1 سبتمبر 1969 أن مجلسا ثوريا استولى على الحكم فى ليبيا، وأعلن قيام الجمهورية، وأن قائد تلك الثورة هو العقيد سعدالدين أبو شويرب، وظل هذا الاسم هو المطروح لساعات حتى كشف هيكل الحقيقة، أن «أبوشويرب» ليس هو القائد الحقيقى لما حدث، وجاء ذلك بعد 3 سبتمبر 1969، حيث كلف جمال عبدالناصر فى هذا اليوم، فتحى الديب، مسؤول الشؤون العربية فى رئاسة الجمهورية بالسفر إلى ليبيا، حسبما يذكر «الديب» فى كتابه: «عبدالناصر وثورة ليبيا»، مضيفا أن عبدالناصر قال له: «أمرت بتجهيز خطاب منى لقائد الثورة الليبية لأقدمك له، ومنتظر رد ليبيا علىّ وإبلاغنا باستعدادهم لاستقبال طائرتك لتقوم فورا، ولعلمك أنا كلفت هيكل ليسافر معك لتغطية لقائك بقائد الثورة، على أن يعود بنفس الطائرة ومعه تقرير عاجل منك».
يذكر «هيكل» فى مقاله المنشور يوم 3 سبتمبر 1971: «وجدت نفسى على طائرة سرت فى أجواء الليل من القاهرة إلى بنغازى لأول اتصال مباشر بين الثورة الليبية والثورة المصرية، وأذكر أننى قضيت فى بنغازى ستا وثلاثين ساعة، التقيت خلالها عددا من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وكان آخر من التقيته منهم قائدهم ورئيسهم معمر القذافى».
يؤكد «هيكل»، أنه عند عودته إلى القاهرة من طرابلس، وجد سيارة تنتظره فى المطار ورسولا يقول له: «الرئيس ينتظرك فى بيته فورا»، يذكر: «عندما ذهبت إلى هناك كان عبدالناصر فى غرفة مكتبه يقول لى: لقد تلقيت بالشفرة تقريرا من البعثة الرسمية التى سافرت إلى ليبيا، ولكنى أريد أن أسمع انطباعاتك كصحفى»، يكشف «هيكل»: «قلت لجمال عبدالناصر وكنت لا أزال مبهورا بما رأيت وسمعت فى بنغازى: إن ما حدث شىء كالخرافة أو هو كالحلم، وقال جمال عبد الناصر باسما: هذه الأوصاف تحتفظ بها لمقالاتك، أما أنا فأريد أن أسمع كلاما محددا».
يؤكد «هيكل»: «أخرجت من جيبى دفتر مذكرات ملأت صفحاته بما كتبت فى بنغازى، وقلت: سوف أروى أمامك تجربتى هناك كما عشتها، وقبل أن أبدأ، سألنى جمال عبدالناصر: من هو قائد الثورة؟ قلت له: معمر القذافى، وردد جمال عبدالناصر الاسم مرتين ثم سألنى: هل لديك صورة له؟ قلت: كان معى هناك مصور من الأهرام وقد التقط له عشرات الصور على وعد منى بألا أنشر إلا بإذنه، وحين يحين الوقت المناسب».
يتذكر «هيكل»: «أشار جمال عبدالناصر إلى تليفون على مكتبه وقال لى: «أطلب مكتبك الآن يطبعون الصور بأسرع ما يمكن، ويبعثون بها إلينا هنا، لأنى أريد أن أتمثله فى ذهنى»، يعلق «هيكل»: «كان بين مايفعله جمال عبدالناصر عادة مع الشخصيات التى يهتم بها أن يضع أمامه على مكتبه مجموعة من صورهم، ثم يروح يدرس الملامح والتعبيرات، وكان يعتقد أنه يستطيع أن يقرأ من عشر صور، أكثر مما يقرأ من عشرة تقارير، لأن الجانب الإنسانى فى الشخصية كان فى تقديره أهم المفاتيح لمسلكها العام»، يضيف: «نفذت ما طلبه، وفى انتظار أن تجىء الصور رحت أتحدث وأمامى دفتر مذكراتى الصغير أفتحه وأقلب صفحاته، ومضيت فى حديث طويل، وهو يسمع».
يقول «هيكل»: «تحدثت عن ظروف الثورة نفسها وتفاصيلها، وعن نوع الشباب الذى قام بها ونقائه وبراءته، وعن الآمال والأحلام التى تملأ الصدور، ثم عن المخاطر القائمة والمحتملة من الذين أخذتهم المفاجأة بالثورة فى ليبيا، ولا يمكن أن نتصور بقاءهم مأخوذين طويلا بالمفاجأة»، يضيف: «جاءت مجموعة الصور المكبرة لمعمر القذافى وفرشها جمال عبد الناصر على مكتبه، ووضع نظارته على عينيه ولنصف ساعة راح يتأمل هذه الصور مستغرقا فى تأمله لها بطريقة كاملة».