ازدحمت قاعة المحكمة صباح يوم 4 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1971 بالجمهور من المحامين والصحفيين والمتفرجين، لحضور جلسة محاكمة 12 متهما رئيسيا من بين 91 متهما فى القضية التى أطلق عليها المدعى الاشتراكى اسم «قضية المؤامرة»، وفقا لجريدة الأهرام يوم 5 سبتمبر 1971، وحوكم فيها كبار المسؤولين التنفيذيين والشعبيين الذين عملوا بجوار جمال عبدالناصر، حتى رحيله فى 28 سبتمبر 1970، واختلفوا مع الرئيس السادات ثم تقدموا باستقالتهم يوم 13 مايو 1971، وتم القبض عليهم والتحقيق معهم بواسطة «المدعى الاشتراكى» الدكتور مصطفى أبوزيد، وأخذت القضية مسميات سياسية وإعلامية مختلفة أشهرها «15 مايو» و«مراكز القوى».
قرر «السادات» محاكمتهم أمام محكمة خاصة باسم «محكمة الثورة» برئاسة حافظ بدوى رئيس مجلس الشعب، وعضوية حسن التهامى مستشار رئيس الجمهورية، والمستشار بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة العليا، حسبما يذكر الكاتب الصحفى عبدالله إمام فى كتابه «انقلاب السادات، أحداث مايو 1971».
ألقى المدعى الاشتراكى مصطفى أبوزيد مرافعته الافتتاحية، وطالب فيها بإعدام 9 متهمين من بين الـ12، وهم على صبرى، شعراوى جمعة، سامى شرف، ضياء الدين داود، محمد فائق، أحمد كامل، لبيب شقير، فريد عبدالكريم، عبدالمحسن أبو النور، وطالب بالأشغال الشاقة المؤبدة للثلاثة الباقين، وهم حلمى السعيد، وسعد زايد، على زين العابدين.
تذكر «الأهرام» أن «أبوزيد» فى بداية مرافعته الافتتاحية سرد دور على صبرى الذى كان نائبا لرئيس الجمهورية كمدبر ومخطط ومحرض لكل عملية التآمر، وكيف اتصل بمحمد فائق ثم شعراوى جمعة ثم ببقية المتهمين الذين يجلسون معه فى قفص الاتهام، وكان هو بصفة رئيسية الذى دفع بهم جميعا إلى قفص الاتهام، كل هذا لأنه تصور أنه أذكى من فى البلد كلها، وأهم من فى البلد كلها، وأن وصايته لا بد من أجل هذا أن تفرض على البلد كلها حتى رئيس الجمهورية.
وتحدث «أبوزيد» طويلا عن الفارق بين الرأى والتآمر، وبرر طول حديثه بأن المحكمة سوف تسمع من جميع المتهمين أن القضية قضية خلاف فى الرأى.. تذكر «الأهرام» أنه خلال سرد «أبوزيد» للأدلة التى قال إنها «تدين المتهمين»، وبعد ربع ساعة من مرافعته وضع يده على جهاز تسجيل كان بجواره، وقال للمحكمة: «دقائق.. إذا سمحتم..فهنا دليل مادى.. تسجيل بأصوات المتهمين أنفسهم».. وبدأ فى تشغيل الجهاز لكن خللا فيه استدعى أن يحضر أحد الموظفين للمساعدة.. وبدأ التسجيل فى إذاعة مكالمة تليفونية بين شعراوى جمعة «وزير الداخلية» الذى طلب المكالمة وعلى صبرى.. لكن الصوت كان غير واضح.. تضيف الأهرام: «بعد مناقشة اشترك فيها رئيس المحكمة والمدعى والدفاع، اتفق على سماع الأشرطة فى حجرة المداولة بحضور المحامين».
بدأ «أبوزيد» فى قراءة نص المحادثات التليفونية، وتذكر الأهرام، أن ذلك استغرق منه نحو 10 دقائق، وبعدها قال إنه كان يود أن يتاح سماع الأشرطة، وأن القضية تحتوى على 19 شريطا يشكل ما جاء فيها أدلة كافية، ومن بين هذه الأشرطة مكالمة بين شعراوى جمعة والكاتب الساخر محمود السعدنى «ضمن الـ91 متهما»، كان شعراوى يقول فيها عن فريد عبدالكريم «أمين الاتحاد الاشتراكى بالجيزة وعضو اللجنة التنفيذية» إنه تافه.. ترصد الأهرام أن شعراوى نظر إلى زميله فى القفص فريد عبدالكريم مبتسما كأنه يعتذر، ولم يبتسم فريد».
فى الساعة الحادية عشرة و4 دقائق، وصل المدعى فى خطبته الافتتاحية إلى طلب السرية خلال المحاكمة لنوعية الوظائف التى كان يشغلها المتهمون وحتى لا يستفيد العدو «إسرائيل» مما سيقال فى الجلسات.. تذكر «الأهرام» أنه فى الساعة الحادية عشرة و7 دقائق بدأت الاستراحة، وفى اللحظة التى نهض فيها أعضاء المحكمة لمغادرة أماكنهم دب نشاط فى القاعة، ونادى كل متهم على محاميه..كان ضياء الدين داود يسجل ملاحظاته طوال جلسة الادعاء، ووقف ممسكا قلمه يخلع نظارته السوداء تارة ويضعها تارة أخرى، ونادى على محاميه على منصور ليناقشه، وطلب سعد زايد محاميه عبده مراد، ودخل على صبرى فى نقاش هامس مع محاميه محمد عبدالله، ووقف شعراوى جمعة ليتحدث مع الوزير السابق أيام الوفد مرسى فرحات محاميه ووالد زوجته، والوحيد الذى كان يرتدى «طربوش» فى المحكمة، وبالصفة نفسها تحدث «فرحات» مع سعد زايد وحلمى السعيد، فالمتهمون الثلاثة متزوجون من شقيقات ثلاث.
تسجل «الأهرام» ملاحظة بأن القاعة امتلأت بالدخان، وكان شعراوى وفريد عبدالكريم وعلى صبرى أكثر المتهمين تدخينا.. تضيف: «فى الساعة الثانية عشرة بدأت المحكمة فى جلستها السرية التى استمرت ساعتين استمعت فيها إلى أقوال أحمد كامل، وفى الساعة الثانية والربع قررت التأجيل إلى اليوم التالى.