أذاعت نشرة أخبار الساعة الثامنة والنصف مساء بإذاعة البرنامج العام استقالة شعراوى جمعة وزير الداخلية يوم 13 مايو 1971، فذهب عدد من الوزراء إلى منزله، وقرروا هم الآخرون تقديم استقالاتهم، وبعدها بساعتين ونصف وتحديدا فى نشرة أخبار الساعة الحادية عشرة أذيعت كل هذه الاستقالات، وذلك بعد أن أرسلوها إلى الرئيس السادات عبر أشرف مروان أحد معاونى سامى شرف مدير مكتب الرئيس، وأكدوا عليه أن يسلمها للرئيس قبل إذاعتها بخمس دقائق حتى لا يمكنه التدخل لمنعها، وفقا للكاتب الصحفى عبدالله إمام فى كتابه «انقلاب السادات- أحداث مايو 1971»، وذلك فى الصراع بينهم وبين الرئيس السادات الذى حسمه لصالحه، وتم القبض على المستقيلين ومئات آخرين وإحالة 91 منهم إلى المحاكمة، فى القضية التى اشتهرت إعلاميا بأسماء مثل «مراكز القوى» و«15 مايو».
كانت الصحف والإذاعة الأدوات الإعلامية المؤثرة، وشملت القضية أسماء بارزة فى هذا المجال، وارتبطت بمحمد فائق بحكم منصبه كوزير للإرشاد «الإعلام» وكان ضمن المستقيلين، كما ارتبطت بالمذيع والإعلامى محمد عروق مدير إذاعة صوت العرب منذ استقالة أحمد سعيد من رئاستها بعد 5 يونيو 1967، وكان أيضا ضمن هذه المجموعة، وتم القبض عليه.
يذكر عبدالله إمام: «ذهب محمد فائق إلى مكتبه بالوزارة حتى أذيعت الاستقالات فى نشرة أخبار الساعة الحادية عشرة وانصرف، أما محمد عروق فأذاع الاستقالات فى نشرة «كفاح العرب» الساعة الحادية عشرة والنصف، وأخذ «صوت العرب» يذيع أناشيد حماسية ومقاطع من خطب جمال عبدالناصر، وانفرد «عروق» فى صوت العرب بإذاعة استقالة عبدالهادى ناصف، وصبرى مبدى من اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، وأحدهما كان مسئول تثقيف والآخر مسئول الصحافة».
كان محمد عبدالسلام الزيات، أحد مساعدى السادات البارزين فى حسم هذا الصراع، وأصبح وزيرا، ثم معارضا حتى تم اعتقاله فى حملة 5 سبتمبر 1981، ويذكر فى مذكراته «السادات، القناع والحقيقة»، أنه توجه إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون بطلب من السادات، وأصدر لنفسه هناك قرارا مكتوبا بتعيين نفسه وزيرا للإعلام، وأصدر أوامره بوقف إذاعة الاستقالات ووقف إذاعة الأناشيد المثيرة، ولم يخالف هذه الأوامر إلا محمد عروق، الذى أعاد إذاعة الاستقالات من إذاعة صوت العرب، ثم غادر المبنى مباشرة.. يؤكد الزيات، أنه قام بتعيين سعد زغلول محله مشرفا على إذاعة صوت العرب وعلى الإذاعة العامة.
عاد «عروق» إلى منزله ولم يعد إلى الإذاعة مرة أخرى، حيث تم القبض عليه، وإحالته إلى المحاكمة، وكان من اللافت خبر بارز يتعلق به وبأسماء إعلاميين وصحفيين كبار، نشرته «الأهرام» فى صفحتها الأولى يوم 5 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1971 بعنوان «التحقيقات تشمل بعض العاملين فى الإعلام.. التحفظ على عدد منهم ونقل آخرين إلى وظائف أخرى».. أما تفاصيل الخبر فتقول: «ضبطت سلطات التحقيق فى قضية «المؤامرة»، فى منزل المتهمين محمد عروق وعبدالمجيد فريد «أمين رئاسة الجمهورية حتى القبض عليه» أسماء بعض العاملين فى أجهزة الإعلام، كان كبار «المتآمرين» يعتمدون عليهم فى تنفيذ مخططهم».
ذكرت «الأهرام» الأسماء وهم.. فتحى غانم، رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر «الجمهورية» سابقا.. وكامل زهيرى، رئيس مجلس إدارة مؤسسة روز اليوسف ونقيب الصحفيين سابقا.. رجاء النقاش، رئيس تحرير مجلة الإذاعة.. سيد الغضبان، مراقب البرامج الثقافية بالإذاعة.. عبدالوهاب قتاية، مساعد المتهم محمد عروق مدير صوت العرب سابقا.. عباس أحمد، مراقب عام بالتليفزيون سابقا..صلاح زكى، مراقب عام الأخبار بالتليفزيون سابقا.. فاروق خورشيد، مدير إذاعة الشعب سابقا.. أحمد جنيد، مدير الأمن بالتليفزيون سابقا .. محمد رجائى، مدير إدارة بالتليفزيون سابقا.. وجيه الشناوى، وكيل مراقبة الثقافة بالتليفزيون .. أميمة عبد العزيز، مراقب بالإذاعة.. صبرى يس بالإذاعة.. جلال السيد، صحفى بجريدة الجمهورية.. علاء الديب، صحفى بمؤسسة «روز اليوسف».
قالت «الأهرام» فى تقريرها إن المتهمين من العاملين فى الإذاعة سبق واعترفوا بواقعة تغيير برامج الإذاعة لإثارة الجماهير، تنفيذا لخطة التآمر وهى الواقعة التى أشار إليها الرئيس أنور السادات فى بيانه إلى الأمة يوم 14 مايو 1971، وأضافت الأهرام، أن سيد الغضبان وسعد لبيب وصلاح زكى الذين صدر قرارا بإحالتهم إلى المعاش، قرر المدعى العام الاشتراكى التحفظ عليهم، وقالت، إن التحقيقات التى أجراها مكتب المدعى الاشتراكى انتهت بثبوت التهمة المنسوبة إلى جلال معوض «كبير المذيعين» وتقرر إحالته إلى المعاش، وأضافت بالنسبة لبقية الأشخاص الذين ضبطت أسماؤهم فى منزل محمد عروق وعبدالمجيد فريد، تقرر نقلهم إلى أماكن أخرى بعيدا عن أجهزة الإعلام، حيث كان قد وضعهم كبار المتآمرين فى مراكز رئيسية ليقوموا بتنفيذ مخطط التآمر».