الدولة الحديثة هى التى توازن بين الحقوق والواجبات، وتضع الحدود الفاصلة بين حق المواطن وحق المجتمع، ووضع القواعد التى تحكم سلوك الجميع أمام قانون واضح، وعلى مدى السنوات الأخيرة كانت تحركات الدولة فى اتجاه إرساء قواعد تضمن التوازن فى الحقوق والواجبات، ففى حين قدمت الدولة جهدًا واضحًا فى إزالة العشوائيات ونقل سكانها إلى مجتمعات حضارية، حرصت الدولة أيضًا على توفير أنواع من الإسكان الاجتماعى والمتوسط بالشكل الذى يتيح لكل فئات المجتمع الحصول على مسكن مناسب، وفى نفس الوقت واجهت البناء المخالف والعشوائى الذى نشأ فى ظروف مرتبكة، وبسبب غياب تطبيق القانون ووضع قواعد للبناء تضمن عدم مخالفة القانون.
اللافت للنظر أن المخالفين هم من يقودون حملات يسعون فيها للدفاع عن المخالفات، أو تصوير إزالتها على أنه عدوان، بينما المخالفات هى أبرز اعتداء على القانون والمجتمع.
وبناءً عليه فإن الدولة بالإجراءات التى تتخذها تهدف إلى مواجهة الفكر العشوائى، بجانب تحركاتها الواضحة لإزالة العشوائيات، ونقل سكانها، وهذا يتم من خلال توفير البدائل المناسبة، والوعى بأن ثمن العشوائية أضعاف ثمن الالتزام، وهو ما ظهر خلال الشهور الماضية والتأكيد على أن العودة لما كان فى السابق غير ممكن، وأن اتجاه الدولة للتوسع الجغرافى يسمح بتوفير مسكن للجميع، وبقدر ما أنفقت الدولة على إنهاء العشوائيات ونقل سكانها، تعمل بناءً على تخطيط ينهى الفكر العشوائى، ومواجهة محاولات التلاعب.
وفى نفس السياق، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، عن أكثر من مبادرة لتوفير سكن كريم لمن يطلب، من خلال الإسكان الاجتماعى أو مبادرات التمويل، كما أنه شدد على إنهاء الإعلانات الوهمية عن العقارات، ووقف عمليات إغراق مواقع التواصل بإعلانات عن مشروعات وعروض ليست لها أساس، وشدد الرئيس على ألا يتم السماح بالإعلان عن مشروعات عقارية إلا بعد أن تكون انتهت من 30%، حتى تكون هناك قواعد حاكمة تحترم المواطنين وتضمن حقهم.
وهناك حاجة بالفعل لتنظيم سوق التسويق العقارى الذى يبالغ فى طرح إسكان فاخر وبأسعار فلكية لفئات قليلة، بينما تغيب المشروعات العقارية للفئات الوسطى، ضمن حالة من الارتباك والمبالغة التى تجعل السوق العقارى مختلًا ولا يعبر عن واقع المصريين وقدراتهم ودخولهم.
وخلال الفترات الماضية تحدث الرئيس عن مبادرات لتوفير إسكان بإيجارات معقولة، بجانب الإسكان الاجتماعى، مع مبادرات التمويل طويلة الأجل، وكلها تعكس اهتمامًا من الدولة لحاجات المجتمع، والمفترض أن تكون تحركات الحكومة والشركات العقارية الجادة عاكسة لهذا التوجه وليس عن رغبات المغامرين العقاريين الذين يشعلون السوق بصرف النظر عن المجتمع.
نفس الأمر فيما يتعلق بحق المجتمع فى الشارع والرصيف، ومواجهة ورفع المخالفات، ومعاقبة المخالفين بغرامات ضخمة تجعل ثمن المخالفة غاليًا، وأن تقوم الأحياء والمدن بحملات مستمرة لمواجهة الاعتداءات على الشارع والرصيف أو إغلاقها بالجنازير وفرض إتاوات، وهى أمور ينظمها القانون ويفترض أن يتم تطبيق القانون بحسم وبلا تفرقة.
طوال عقود كانت الأزمة فى غياب معايير واضحة تحدد هذه التفاصيل، واليوم تضع الدولة القواعد، وتقدم البدائل لضمان عدم تجدد المشكلة، من خلال خطط واضحة للبناء، وقواعد تمنع المخالفات، وتوفير مسكن مناسب لكل الفئات، وتنشيط قواعد العرض والطلب، وكل هذا يمنع ظهور العشوائيات أو التكدس والارتباك حتى فى الأحياء الطبيعية، وهى رسائل دائمة فى أحاديث الرئيس وآخرها أثناء افتتاح سكن موظفى العاصمة الإدارية، ووحدات الإسكان الاجتماعى والمتوسط، مع التركيز على توفير بدائل مناسبة للفئات المتوسطة والشباب، وتأكيد دور الدولة فى ضمان تقديم ما يكفى لامتصاص الزيادة السكانية، والتوازن فى السوق العقارى، وهو ما يتطلب تحركًا واستجابة من الحكومة والشركات الخاصة لتحقيق استراتيجية تحقق هذه الخطط.