هناك الكثير من الأسئلة حول الخطوات التالية لإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتوقيت والآليات التى يمكن أن تتم، ومدى انعكاسها على المجال العام، واستعداد القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى للاندماج فى هذه الصيغة الجديدة، والتعامل معها بالشكل الذى ينعكس فى صورة المزيد من المشاركة والتعاون والتفاعل وإدارة التنوع، ضمن صيغة تضمن استمرار التوازن، وبالطبع فإن هذه المعادلة لها طرفان وعوامل مختلفة، طبيعى أن تكون قائمة على قراءة السياق الذى تمت فيه التطورات خلال السنوات الأخيرة، وسقوط الكثير من الرهانات، التى انطلقت للتشكيك، أو التوقعات التى ثبت خطؤها، الدولة المصرية تتحرك إلى الأمام وهى أكثر استقرارا وثقة، بما يسمح بالمزيد من المشاركة والتنوع.
الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تأتى بعد سنوات قدمت الدولة المصرية خلالها بعض الملفات، باعتبارها الأولى بالرعاية، على أن تكون فى مقدمة اهتمامات الدولة، وبالطبع فى ظل مواجهة الإرهاب والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، التى كانت تعانى من تراكمات على مدى عقود، لم تتجاهل الدولة ملفات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واليوم تطرح خطة إضافية للتوسع فى هذه الحقوق، وتفتح المزيد من النقاش فيما يتعلق ببنود الحقوق السياسية والمدنية وحرية الرأى والتعبير.
لقد كان على الدولة، خلال الـ8 سنوات، أن تحدد الأولويات، وتدعم بقاء الدولة وتقوية مؤسساتها وقدراتها على كل الأصعدة، وبالتالى كانت الأولوية لإصلاح الداخل اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، ومعالجة الاختلالات واستعادة تأثيرها الإقليمى.
وبجانب تهديد الإرهاب، كانت مصر تواجه كهرباء مقطوعة، وأزمات فى الوقود والخبز، وبنية أساسية متهالكة، وبطالة، وكان على الدولة أن تحل المعادلة الصعبة، داخليا وخارجيا، وتسلك الطريق الأصعب، عملية إصلاح اقتصادى مؤلمة، تعويم الجنيه، إنهاء ازدواج سعر العملة، وتعديل سعر الوقود، وإعادة هيكلة الدعم، بحيث يستفيد الأكثر احتياجا، مع علاج سريع للأعراض الجانبية، من خلال معالجات اجتماعية ومضاعفة التمويل المباشر، «معاشات تكافل وكرامة، ومبادرة حياة كريمة».
لم تتوقف الدولة عند مواجهة أو إصلاح الاقتصاد، وتم طرح مبادرة علاج وإنهاء الفيروس الكبدى «سى»، الذى أكل أكباد المصريين على مدى عقود، ومبادرة «100 مليون صحة»، متوازية مع نقل سكان العشوائيات إلى «الأسمرات 1، و2»، و«بشاير الخير» فى الإسكندرية، تزامنا مع بناء محطات الكهرباء العملاقة، لتنتقل مصر من الظلام إلى عصر تصدير الكهرباء، توازيا مع شبكة طرق عملاقة وكبارى ومحاور وأنفاق، ومدن صناعية وأخرى سكنية، مع إسكان اجتماعى وإعادة بناء الريف ضمن «حياة كريمة»، كل هذا مع إعادة بناء السياسة الخارجية، وخلال الوقت ذاته انتقلت مصر من دولة معزولة إلى مركز للتأثير إقليميا ودوليا، علاقات أفريقية وعربية مع أوروبا وأمريكا واليابان والصين وروسيا، حتى صارت القاهرة محل ثقة للتدخل والحل.
ومع اقتراب افتتاح عاصمة إدارية جديدة، تمثل تحديثا وامتدادا للقاهرة، ودعم المدنية والحداثة والرقمنة، تأكد أن الدولة اليوم أكثر قدرة واستقرارا، بما يسمح بإعادة بناء الملف السياسى والمدنى.
توقيت إعلان الاستراتيجية مهم، والعاصمة الإدارية هى المكان الأنسب والدال على أهمية إطلاق الاستراتيجية بدعم واضح من الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى حدد الاستراتيجية فى 7 نقاط، تقوم على دمج أهداف ومبادئ حقوق الإنسان فى السياسات العامة، مع دعوة الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى للاهتمام بإثراء التجربة السياسية، وبناء وتوسيع دائرة المشاركة والتعبير عن الرأى فى مناخ من التفاعل والحوار، مع ضمان التوزيع العادل لثمار التنمية، وحق كل شخص فى التمتع بمستوى معيشى ملائم له ولأسرته، وتعزيز التواصل مع مختلف مؤسسات المجتمع المدنى، وتقديم كل التسهيلات للتنفيذ الفعال لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى ولائحته التنفيذية، لإتاحة المناخ الملائم للمنظمات للعمل كشريك أساسى وتحقيق التنمية ونشر ثقافة حقوق الإنسان فى المجتمع.
كما أكد الرئيس على تنفيذ الرؤية المتكاملة للإصلاح الإدارى، وبناء جهاز إدارى كفء وفعال، يتبع آليات الحكم الرشيد، ويخضع للمساءلة، وينال استحسان المواطنين لمستوى الخدمات المقدمة لهم، ويتسم بالكفاءة والعدالة وعدم التمييز، وتطوير منظومة تلقى ومتابعة مجال حقوق الإنسان للاستجابة السريعة والفعالة لأية شكاوى، والتواصل الفعال مع جهات الاختصاص بشأنها، وتكثيف الجهود الوطنية لبناء القدرات والتدريب فى مجال حقوق الإنسان، وهذه النقاط تمثل قاعدة لحوار أوسع، يفترض أن تقوم به الأطراف الجادة فى ملف المجتمع المدنى والأهلى لمزيد من المشاركة.