يحرص أبناء القبائل البدوية القاطنون القرى والتجمعات بشمال سيناء على إشعال النار قبيل حلول موعد إفطار كل يوم من شهر رمضان، وهى عادة تلازم كل المجالس البدوية ولم تختف حتى يومنا هذا.
المجالس البدوية والتى تتنوع مسمياتها من مكان لآخر ما بين " مجلس"، و"مقعد" و"شق" و "ديوان"، هى المكان الذى يتجمع فيه الأهالى من الرجال مساء كل يوم، ومن يتجمع بالمجلس هم من يحيطون به من السكان من أبناء العائلة الواحدة أو عائلات متفرقة، ومن يسكن معهم مناطقهم، وفى شهر رمضان يكون المجلس مكان تجمعهم لتناول الإفطار وأداء صلاة التراويح فى جماعة والسهر حتى السحور.
يقول " حسن سلامة " باحث فى تراث بدو سيناء، وهو أحد من يحرصون على هذه العادة فى مجلسه بقرية الجنادل بمركز بئر العبد، إن لإشعال النار رمزية عند البدو، فمساء كل يوم يتجمع من يجلسون فى المجلس الواحد يفترشون الأرض ويحرصون على الجلوس تحت العريشة التى يحيط بها سياج من الناحية البحرية، ووراء هذا السياج يتم إشعال النار التى يكون وقت إشعالها فى رمضان قبل موعد الإفطار بنحو ساعة.
أضاف أن من يقومون بإشعال النار هم الفتية والشباب، بعضهم يقوم بهذا الدور وآخرون يحضرون باقى الأدوات كغسيل فناجين القهوة وكؤوس الشاى، وعلى جمر هذه النار يتم إعداد "براد" شاى و "بكرج " قهوة، وفى الغالب يستعين الشباب بأحد كبار السن لإعداد القهوة لما لهم من خبرة فى " ظبطها " .
وأشار " سلامة "، إلى أنه فى حال تصاعد ألسنة اللهب والدخان فى فضاء سماء المنطقة من النيران المشتعلة، يبدأ توافد من يجلسون فى المجلس الواحد، ويسمون "محلية "، ويحضرون وكل منهم يحمل إفطاره، ويضعون أطباق الطعام بجانب بعضها، وعند الإفطار يتناولون إفطارهم بشكل جماعى هم ومن يحضر إفطارهم من ضيوفهم وعابرى السبيل.
وبعد انتهاء الإفطار يرتشفون الشاى والقهوة التى أعدت على النار بمذاقها المتميز، وكلما امتدت سهرتهم يجددون صناعة الشاى والقهوة، وإذا ما حل ضيفا عليهم فى الليل يحرصون على تجديد إشعال النار لترتفع ألسنة لهبها وتضئ المكان من حولهم.
أبناء كل مكان لديهم تكافل اجتماعى تام، الحديث لايزال لـ"سلامة"ـ فهم يقتسمون بين بعضهم البعض كافة التكاليف المالية لأدوات ومؤن صناعة الشاى والقهوة ويحرصون بأيديهم على نظافة المكان بشكل يومى متجدد ويعتبرون المجلس واجهة جميعهم.
"مسلم أبوعبدالله " من كبار السن بين أهالى شمال سيناء، قال إن عادة " شب النار" عادة بدوية متوارثة، وأنهم حريصون عليها حتى بعد أن تركوا مساكن البيوت المبنية من الحطب وسكنوا الحوائط الأسمنتية، فبجوار كل منزل مجلس فى ساحته يشعلون النار مساء كل يوم.
وأضاف أنهم فى رمضان يقضون سهرتهم وهم بجوار النار المشتعلة، والتى على جمرها يحتفظ الشاى بحرارته والقهوة بثباتها، وتابع قائلا إنهم قديما يعتبرون النار المشتعلة دليلا لعابر السبيل عندما يشاهدها من بعيد يأتى على نورها لإدراكه أن فى هذا المكان أشخاص يتواجدون، وكان هذا قبل وجود الكهرباء والاتصالات .
وقال " سامى حسن " شاب جامعى، إن الجميع من كل الأعمار من الشباب والأطفال حريصون على تناول وجبة إفطارهم فى الديوان الخاص بعائلتهم والمشاركة فى خدمة المكان، وأنهم يشعلون النار، ويحضرون مبكرا الحطب المستعمل فيها، ويكون من جذوع أشجار لها ميزة الاشتعال بدون دخان كثير، ومدة بقاء أطول لجمره دون أن تخفت ناره.