واحد من التحولات المهمة فى تأسيس المشاركة السياسية والمدنية، إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وينتظر أن تتفاعل معه الأطراف المختلفة بمسؤولية، بعيدا عن الكلاشيهات المحفوظة التى لم يثبت أنها قدمت أى فائدة طوال السنوات الماضية، طبعا هناك أطراف لم تكن تريد ظهور مثل هذه الخطوة الآن، حتى يبرهنوا على صحة مواقفهم، وهناك من يتحدث أو يتساءل عن آليات تنفيذ الاستراتيجية، ومدى انعكاسها على المجال العام.
وبالطبع فإن التطبيق يتطلب طرفين وليس واحدا، وأن يكون كل طرف مستعدا لمواصلة النقاش والحوار من دون شروط مسبقة ومن دون رغبة فى المزايدة أو المتاجرة بالموضوع.
للقضية طرفان، الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية، والمجتمع السياسى والأهلى، وعلى كل طرف أن يكون جاهزا لتنفيذ ما عليه، وقبول الطرف الآخر، فالمؤسسات التشريعية عليها دور فى تسهيل وإنهاء التشريعات اللازمة لتنفيذ الاستراتيجية وتوسيع مشاركة المجتمع المدنى فى العمل العام، وعلى الحكومة والوزارات والجهات التنفيذية تنفيذ ما ورد فى الاستراتيجية، والتى تقدم الكثير من الأسس لحوار جاد، يمكن أن يقود لتقدم فى ملف شديد التشابك.
لقد حدد الرئيس عبدالفتاح السيسى، الأرضية التى تمثل وعودا واضحة فى نقاط واضحة، تجعل أهداف ومبادئ حقوق الإنسان ضمن السياسات العامة، مع دعوة صريحة لمشاركة سياسية ومدنية، لدعم التجربة السياسية، وتوسيع المشاركة والتعبير عن الرأى والتفاعل والحوار، وتسهيل تنفيذ قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى ولائحته التنفيذية بفاعلية، بما يتيح المناخ الملائم للمنظمات للعمل كشريك أساسى مع تحقيق الإصلاح الإدارى، وبناء جهاز إدارى كفء وفعال، يتبع آليات الحكم الرشيد، ويخضع للمساءلة، وينال رضا المواطنين ويتسم بالكفاءة والعدالة وعدم التمييز، وتطوير منظومة تلقى ومتابعة مجال حقوق الإنسان للاستجابة السريعة والفعالة لأى شكاوى، والتواصل الفعال مع جهات الاختصاص بشأنها، هذه النقاط تمثل قاعدة لحوار أوسع، يفترض أن تقوم به الأطراف الجادة فى ملف المجتمع المدنى والأهلى والسياسى، لمزيد من المشاركة.
ورود هذه النقاط من الرئيس يعنى الجدية فى التوجه نحو إتاحة العمل الأهلى والمدنى، للمنظمات الجادة، والتى تكون مستعدة للعمل بشفافية طبقا لقانون متوافق عليه، بحيث يجرى العمل المدنى والسياسى علنا، وأن تكون هناك قواعد حاسمة فى تلقى وإنفاق الأموال، لأن إحدى نقاط الخلاف دائما كانت أن بعض المنظمات تريد العمل خارج أى سياق قانونى أو ضوابط.
هذه المنظمات بدأت فى التشويش وطرح شروط مسبقة، وإعادة خطاب ثبت أنه عاجز عن تمثيل أى ضغط، حيث لا توجد فى أى دولة بالعالم منظمات أو كيانات سياسية، تعمل بعيدا عن القانون، أو تتلقى تمويلا من دون إفصاح أو تحديد مصادر التمويل ومصارفه.
ومثلما ترتب الاستراتيجية خطوات على الدولة، فإنها تضع واجبات على المنظمات، أن تكون القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى مستعدة للاندماج فى هذه الصيغة الجديدة، والدخول فى حوار من طرفين مع الاستعداد للتوصل إلى صيغ توافقية، مقبولة من المجتمع، ومن القانون، وأن تعترف بالتنوع والتعدد، وهو أمر سوف يفرق بين منظمات هدفها العمل المدنى والأهلى، وبين دكاكين وتجار يحولون العمل العام إلى بيزنس وتجارة هدفها الربح وليس العمل العام، وهؤلاء يخفون أهدافهم خلف قوالب ثابتة لا تتغير، وتخلط بين العمل الأهلى والعمل السياسى، وهى أمور تخلط الأوراق وتضيع فرصة التقدم للأمام.
هناك بعض الكيانات السياسية والمدنية تكرر نفس الخطاب على مدى سنوات، وتراهن على تحقيق مكاسب، بالرغم من فشلها خلال الفترة السابقة، وهؤلاء يطالبون بالتغيير من طرف واحد، ويفتقدون إلى أهم ما يطالبون به وهو قبول الاختلاف والتنوع.
هناك حقوقيون وسياسيون عبروا عن تفهمهم وترحيبهم بإعلان الاستراتيجية، وأنها تمثل أرضية للعمل والتفاهم وتحقيق تقدم فى ملف متشابك، وهؤلاء هم من يمكن توقع قدرتهم على العمل بجدية، بناءً على ممارسة وليس متاجرة.
الجادون يمكنهم تحقيق خطوات والتعامل مع ملفات مطروحة، من خلال حوار وتفاوض، وعمل سياسى ومدنى، حقيقى يمكن أن يثمر ويمثل إضافة لكل الأطراف.