من بين النقاط المهمة فى تقرير التنمية البشرية، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، هى تأكيد الحديث عن الرقمنة والإصلاح الإدارى بشكل يحسن ويسهل تقديم الخدمات، حيث أكد الرئيس تنفيذ الرؤية المتكاملة للإصلاح الإدارى، وبناء جهاز إدارى كفء وفعال، يتبع آليات الحكم الرشيد، ويخضع للمساءلة، وينال استحسان المواطنين لمستوى الخدمات المقدمة لهم، ويتسم بالكفاءة والعدالة وعدم التمييز، وهى النقطة المركزية فى التحديث، وإغلاق أكثر الثغرات التى ينفذ منها الفساد، وضمان عدالة توزيع ثمار التنمية.
وقد كانت الرقمنة والتحديث المعلوماتى، من بين النقاط التى ركز عليها تقرير التنمية البشرية، وأيضا أحد عناصر توفير الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والعدالة وتكافؤ الفرص، لأنه كلما تراجع التدخل المباشر للعنصر البشرى فى الفرز والاختيار، توافرت قواعد تكافؤ الفرص، وفى الوقت ذاته فإن التوسع فى الرقمنة يعنى انتزاع جزء من سلطة المحسوبية والتقييم والفحص وتلقى الرسوم، وبالتالى تحجيم القابلية للفساد، وكل هذا يشمل الخدمات المباشرة للصحة والتعليم والنقل والتوظيف، وأيضا الخدمات المكتبية كاستخراج التراخيص والشهادات والضرائب والجمارك، والرسوم بشكل عام.
وفى الوقت ذاته، فإن الرقمنة تخفف الكثير من الأعباء عن كاهل الأجهزة الرقابية التى تتابع هذه الانشطة، ويصبح عمل الرقابة أكثر سهولة، لأنه يمنح الرقابة القدرة على مراقبة مستمرة ولحظية لكل تصرف أو أموال يتم تحصيلها، بل إنه مع الشمول المالى والفواتير الإلكترونية ارتفعت حصيلة الضرائب، أو الرسوم الخاصة بالتعليم الأساسى أو الجامعى، من خلال ضبط عملية سداد الرسوم من خلال طرق الدفع الإلكترونى، والتى تضمن أمان مسارات الأموال بعيدا عن التدخلات أو التلاعب.
ويمكن للرقمنة أن تنهى وتغلق واحدا من أخطر ملفات الفساد والتجاوز فى البناء، وهناك بالفعل خطة تم إعلانها أثناء تطبيق قانون المصالحات فى مخالفات البناء، وتتضمن الفصل بين جهات الفحص والأمور الفنية عن التسجيل ومنح التراخيص، وفى حالة تقليل تدخل العنصر البشرى، يمكن خفض وتقليص احتمالات التلاعب بدرجة كبيرة، لأن سلطة المنح والمنع فى الإدارات الهندسية والأحياء والمدن ساهمت - ولا تزال - فى اتساع المخالفات، وأغلب القضايا التى ضبطتها الأجهزة الرقابية فى السنوات الأخيرة كانت تتعلق بسلطة الموافقة من قبل رؤساء الأحياء، أو منح تراخيص للبناء، أو المناقصات والمزايدات، وغيرها.
وطبيعى ونحن نتحدث عن قرب انتقال الحكومة والوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، أن نتوقع تحولا شاملا فى الإدارة، ليس فقط فى العاصمة الجديدة، أو دواوين الوزارات، بل فى توظيف هذه الحداثة والشبكات والأرشيفات المعلوماتية لتطوير الإدارة بشكل تام، وهناك بالفعل خطوات تمت خلال السنوات الأخيرة، وظفت قواعد المعلومات، بجانب الأرشيف المعلوماتى للبيانات، والدفع الإلكترونى، كلها يفترض أن تنعكس على الأداء الإدارى فى المدن والأحياء والقرى، ليكون من حق سكان الريف أن يحصلوا على الخدمات ذاتها التى يحصل عليها سكان العاصمة أو عواصم المحافظات والمراكز، وهو أمر مهم فيما يتعلق بعدالة توزيع الخدمات، خاصة فيما يتعلق بالنطاقات الجغرافية، ويفترض أن يكون المواطن قادرا على الحصول على الترخيص أو الأوراق من اى مكان فى الجمهورية، بناء على شبكة معلومات متواصلة.
وقد نجحت قواعد المعلومات، بشكل كبير، فى تقليل ثغرات التلاعب فى التموين، أو الدعم، لكن مزيدا من الضبط والدقة يمكن أن يسهم فى تسهيل انتقال وتوزيع المقررات التموينية بشكل عادل.
والواقع أن هناك فجوة بين تحركات الدولة تجاه الرقمنة والتحديث وبين أداء الإدارات الحكومية أو بعضها فى التنفيذ، حيث لا تزال بعض الجهات المنوط بها استخراج الوثائق تطلب أوراقا وأختاما، بينما الجهات ذاتها لديها نفس البيانات على الشبكة المعلوماتية وقاعدة المعلومات، وهذا بالطبع نتاج تأخر بعض الإدارات عن استيعاب التكنولوجيا بالشكل الذى يتيح تفهم مفردات العصر، ويفترض أن تتقلص الأوراق المطلوبة مع وجود قاعدة معلومات تحمل البيانات ذاتها.
وقد لخص الرئيس عبدالفتاح السيسى الأمر بالتأكيد أن الهدف هو «تسهيل الأعمال وقدر ضخم من الشفافية».